لأنه إنما أراد عظيم جرأته عليها فهو يلقاها بكل محن وبكل شيء منه حتى بوجهه وبنحره.
وقوله تعالى: ذُوقُوا عبارة عن باشروا، وهنا محذوف تقديره: جزاء ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ، ثم مثل لقريش بالأمم السالفة، ثم أخبر بما نال تلك الأمم من كونها في الدنيا أحاديث ملعنة، ولا خزي أعظم من هذا مع ما نال نفوسهم من الألم والذل والكرب، ثم أخبر أن ما أعد لهم من عذاب الآخرة أكبر من هذا كله الذي كان في الدنيا.
وقوله: قُرْآناً قالت فرقة: هو نصب على الحال، وقالت فرقة: هو نصب على المصدر.
و: عَرَبِيًّا حال، وقالت فرقة: نصب على التوطئة للحال، والحال قوله: عَرَبِيًّا ونفى عنه العوج لأنه لا اختلاف فيه ولا تناقض ولا مغمز بوجه.
واختلفت عبارة المفسرين، فقال عثمان بن عفان: المعنى غير متضاد، قال ابن عباس: غير مختلف.
وقرأ مجاهد: غير ذي لبس. وقال السدي: غير مخلوق. وقال بكر المزني: غير ذي لحن. والعوج بكسر العين في الأمر والمعنى وبفتحها في الأشخاص.
لما ذكر عز وجل أنه ضرب للناس في هذا القرآن من كل مثل مجملا جاء بعد ذلك بمثل في أهم الأمور وأعظمها خطرا وهو التوحيد، فمثل تعالى الكافر والعابد للأوثان والشياطين لرجال عدة في أخلاقهم شكاسة ونقص وعدم مسامحة، فهم لذلك يعذبون ذلك العبد بأنهم يتضايقون في أوقاتهم ويضايقون العبد في كثرة العمل، فهو أبدا ناصب، فكذلك عابد الأوثان الذي يعتقد أن ضره ونفعه عندها هو معذب الفكر بها وبحراسة حاله منها، ومتى أرضى صنما منها بالذبح له في زعمه تفكر فيما يصنع مع الآخر، فهو أبدا تعب في ضلال، وكذلك هو المصانع للناس الممتحن بخدمة الملوك، ومثل تعالى المؤمن بالله وحده بعبد لرجل واحد يكلفه شغله فهو يعمله على تؤدته وقد ساس مولاه، فالمولى يغفر زلته ويشكره على إعادة عمله.
وقوله: ضَرَبَ مأخوذ من الضريب الذي هو الشبيه، ومنه قولهم: هذا ضرب هذا، أي شبهه.
و: مَثَلًا مفعول ب ضَرَبَ، و: رَجُلًا نصب على البدل. قال الكسائي: وإن شئت على إسقاط الخافض، أي مثلا لرجل أو في رجل، وفي هذا نظر، و: مُتَشاكِسُونَ معناه: لا سمح في أخلاقهم بل فيها لجاج ومتابعة ومحاذقة، ومنه قول الشاعر:[الرجز]