قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وهذا على من يجعل الأمر المنتظر أوامر الشرع أو قتل قريظة وإجلاء النضير، وأمر من يجعله آجال بني آدم فيترتب النسخ في هذه الآية بعينها، لأنه لا يختلف أن آيات الموادعة المطلقة قد نسخت كلها، والنسخ هو مجيء الأمر في هذه المقيدة، وقيل: مجيء الأمر هو فرض القتال، وقيل: قتل قريظة وإجلاء النضير، وقال أبو عبيدة في هذه الآية: إنها منسوخة بالقتال، لأن كل آية فيها ترك القتال فهي مكية منسوخة.
قال القاضي أبو محمد: وحكمه بأن هذه الآية مكية ضعيف، لأن معاندات اليهود إنما كانت بالمدينة، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مقتضاه في هذا الموضوع وعد للمؤمنين.
قالت فرقة من الفقهاء: إن قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ عموم، وقالت فرقة: هو من مجمل القرآن، والمرجح أن ذلك عموم من وجه ومجمل من وجه، فعموم من حيث الصلاة الدعاء، فحمله على مقتضاه ممكن، وخصصه الشرع بهيئات وأفعال وأقوال، ومجمل من حيث الأوقات، وعدد الركعات والسجدات لا يفهم من اللفظ، بل السامع فيه مفتقر إلى التفسير، وهذا كله في أَقِيمُوا الصَّلاةَ، وأما الزكاة فمجملة لا غير.
قال الطبري: إنما أمر الله هنا بالصلاة والزكاة لتحط ما تقدم من ميلهم إلى أقوال اليهود راعِنا [البقرة: ١٠٤] ، لأن ذلك نهي عن نوعه، ثم أمر المؤمنين بما يحطه، والخير المقدم منقض لأنه فعل، فمعنى تَجِدُوهُ تجدوا ثوابه وجزاءه، وذلك بمنزلة وجوده.
وقوله تعالى: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ معناه قال اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقال النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فجمع قولهم، ودل تفريق نوعيهم على تفرق قوليهم، وهذا هو الإيجاز واللف، وهود جمع هائد، مثل عائد وعود، ومعناه التائب الراجع، ومثله في الجمع بازل وبزل وحائل وحول وبائر وبور، وقيل هو مصدر يوصف به الواحد والجمع كفطر وعدل ورضا، وقال الفراء: أصله يهودي حذفت ياءاه على غير قياس.