قال سيبويه: الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ.
وحكي عن الكسائي أن قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ جواب الشرطين جميعا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: حكي هذا وفيه نظر، ولا يتوجه أن يخالف سيبويه هنا، وإنما الخلاف في نحو قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ [الواقعة: ٨٩] .
فيقول سيبويه: «جواب أحد الشرطين محذوف لدلالة قوله: (فروح) عليه» ويقول الكوفيون: «فروح جواب الشرطين» .
قال القاضي أبو محمد: وأما في هذه الآية فالمعنى يمنع أن يكون فَلا خَوْفٌ جوابا للشرطين.
وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق: هُدىً وهي لغة هذيل.
قال أبو ذؤيب يرثي بنيه: [الكامل] .
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا، ولكل جنب مصرع
وكذلك يقولون عصى وما أشبهه، وعلة هذه اللغة أن ياء الإضافة من شأنها أن يكسر ما قبلها، فلما لم يصح في هذا الوزن كسر الألف الساكنة أبدلت ياء وأدغمت.
وقرأ الزهري ويعقوب وعيسى الثقفي: «فلا خوف عليهم» نصب بالتبرية ووجهه أنه أعم وأبلغ في رفع الخوف، ووجه الرفع أنه أعدل في اللفظ لينعطف المرفوع من قولهم يَحْزَنُونَ على مرفوع، «ولا» في قراءة الرفع عاملة عمل ليس.
وقرأ ابن محيصن باختلاف عنه «فلا خوف» بالرفع وترك التنوين وهي على أن تعمل «لا» عمل ليس، لكنه حذف التنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال، ويحتمل قوله تعالى: «لا خوف عليهم» أي فيما بين أيديهم من الدنيا، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم منها، ويحتمل أن «لا خوف عليهم» يوم القيامة، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه، ويحتمل أن يريد أنه يدخلهم الجنة حيث لا خوف ولا حزن.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة، وقال وَكَذَّبُوا وكان في الكفر كفاية لأن لفظة كفروا يشترك فيها كفر النعم وكفر المعاصي، ولا يجب بهذا خلود فبين أن الكفر هنا هو الشرك، بقوله وَكَذَّبُوا بِآياتِنا والآية هنا يحتمل أن يريد المتلوة، ويحتمل أن يريد العلامة المنصوبة، وقد تقدم في صدر هذا الكتاب القول على لفظ آية، وأُولئِكَ رفع بالابتداء وأَصْحابُ خبره، والصحبة الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة، وهُمْ فِيها خالِدُونَ، ابتداء وخبر في موضع الحال.
قوله عز وجل:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)