إيجاده تعالى بتقليب الليل والنهار، وأنه لو مد أحدهما سَرْمَداً لما وجد من يأتي بالآخر، و «السرمد» من الأشياء الدائم الذي لا ينقطع، وقرأت فرقة هي الجمهور «بضياء» بالياء، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل «بضئاء» بهمزتين وضعفه أبو علي، ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله وَلَعَلَّكُمْ أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولا بد.
التقدير «واذكر يوم يناديهم» وكرر هذا المعنى إبلاغا وتحذيرا وهذا النداء هو عند ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين ومن خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار فَيَقُولُ الله تعالى لهم: أَيْنَ شُرَكائِيَ على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب «الشهيد» النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولا من الأمم وخيارا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، و «الشهيد» على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة هاتُوا بُرْهانَكُمْ على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون أَنَّ الْحَقَّ متوجه لِلَّهِ عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة.