وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ.. وذكر أن ابنا لطلحة كان عنده فاستأذن الأشتر فحبسه مدة ثم أذن له فدخل، فقال ألهذا حبستني وكذلك لو كان ابن عثمان حبستني له فقال علي نعم إني وعثمان وطلحة والزبير ممن قال الله فيهم وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ الآية.
قال القاضي أبو محمد: وقد روي أن المستأذن غير الأشتر وإِخْواناً نصب على الحال، وهذه أخوة الدين والود، والأخ من ذلك يجمع على إخوان وإخوة أيضا، والأخ من النسب يجمع أخوة وإخاء، ومنه قول الشاعر:
وأي بني الإخاء تصفو مذاهبه ويجمع أيضا إخوانا وسُرُرٍ جمع سرير، ومُتَقابِلِينَ الظاهر أن معناه في الوجوه، إذ الأسرة متقابلة فهي أحسن في الرتبة، قال مجاهد لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه، وقيل مُتَقابِلِينَ في المودة، وقيل غير هذا مما لا يعطيه اللفظ، و «النصب» التعب، يقع على القليل والكثير، ومن الكثير قول موسى عليه السلام لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً [الكهف: ٦٢] ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل] كليني لهم يا أمية ناصب ونَبِّئْ معناه أعلم، وعِبادِي مفعول ب نَبِّئْ، وهي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، ف عِبادِي مفعول و «أن» تسد مسد المفعولين الباقيين واتصف ذلك وهي وما عملت فيه بمنزلة اسم واحد، ألا ترى أنك إذا قلت أعجبني أن زيدا منطلق إنما المعنى أعجبني انطلاق زيد لأن دخولها إنما هو على جملة ابتداء وخبر فسدت لذلك مسد المفعولين.
قال القاضي أبو محمد: وقد تتعدى نَبِّئْ إلى مفعولين فقط ومنه قوله تعالى مَنْ أَنْبَأَكَ هذا [التحريم: ٣] ، وتكون في هذا الموضع بمعنى أخبر وعرف، وفي هذا كله نظر، وهذه آية ترجية وتخويف، وروي في هذا المعنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه» . وروي في هذه الآية أن سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى جماعة من أصحابه عند باب بني شيبة في الحرم، فوجدهم يضحكون، فزجرهم ووعظهم ثم ولى فجاءه جبريل عن الله، فقال: يا محمد أتقنط عبادي؟ وتلا عليه الآية، فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وأعلمهم.
قال القاضي أبو محمد: ولو لم يكن هذا السبب لكان ما قبلها يقتضيها، إذ تقدم ذكر ما في النار وذكر ما في الجنة فأكد تعالى تنبيه الناس بهذه الآية.