للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإيضاح والتنبيه على مواضع العبر، أي إذا كانت هذه المحقورات معلومة فغيرها من الجلائل أحرى، وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ عطف على اللفظ وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق «ولا رطب ولا يابس» بالرفع عطفا على الموضع في وَرَقَةٍ، لأن التقدير وما تسقط ورقة وإِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ قيل يعني كتابا على الحقيقة، ووجه الفائدة فيه امتحان ما يكتبه الحفظة، وذلك أنه روي أن الحفظة يرفعون ما كتبوه ويعارضونه بهذا الكتاب المشار إليه ليتحققوا صحة ما كتبوه، وقيل: المراد بقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ علم الله عز وجل المحيط بكل شيء، وحكى النقاش عن جعفر بن محمد قولا: أن «الورقة» يراد بها السقط من أولاد بني آدم، و «الحبة» يراد بها الذي ليس يسقط، و «الرطب» يراد به الحي، و «اليابس» يراد به الميت، وهذا قول جار على طريقة الرموز، ولا يصح عن جعفر بن محمد رضي الله عنه، ولا ينبغي أن يلتفت إليه، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ الآية، فيها إيضاح الآيات المنصوبة للنظر، وفيها ضرب مثل للبعث من القبور، أن هذا أيضا إماتة وبعث على نحو ما، والتوفي هو استيفاء عدد، قال الشاعر [منظور الوبري] : [الرجز]

إنّ بني الأدرم ليسوا من أحد ... ولا توفّاهم قريش في العدد

وصارت اللفظة عرفا في الموت، وهي في النوم على بعض التجوز، وجَرَحْتُمْ معناه كسبتم، ومنه جوارح الصيد أي كواسبه، ومنه جوارح البدن لأنها كواسب النفس، ويحتمل أن يكون جَرَحْتُمْ هنا من الجرح كأن الذنب جرح في الدين، والعرب تقول جرح اللسان كجرح اليد، وروي عن ابن مسعود أو سلمان شك ابن دينار، أنه قال: إن هذه الذنوب جراحات فمنها شوى ومنها مقتلة، ألا وإن الشرك بالله مقتلة، ويَبْعَثُكُمْ يريد الإيقاظ، ففي فِيهِ عائد على النهار قاله مجاهد، وقتادة والسدي، وذكر النوم مع الليل واليقظة مع النهار بحسب الأغلب وإن كان النوم يقع بالنهار واليقظة بالليل فنادر، ويحتمل أن يعود الضمير على التوفي أي يوقظكم في التوفي أي في خلاله وتضاعيفه قاله عبد الله بن كثير، وقيل يعود على الليل وهذا قلق في اللفظ وهو في المعنى نحو من الذي قبله، وقرأ طلحة بن مصرف وأبو رجاء «ليقضي أجلا مسمى» ، والمراد بالأجل آجال بني آدم، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ يريد بالبعث والنشور ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ أي يعلمكم إعلام توقيف ومحاسبة.

قوله عز وجل:

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٦١ الى ٦٢]

وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢)

الْقاهِرُ إن أخذ صفة فعل أي مظهر القهر بالصواعق والرياح والعذاب فيصح أن يجعل فَوْقَ ظرفية للجهة لأن هذه الأشياء إنما تعاهدها العباد من فوقهم، وإن أخذ الْقاهِرُ صفة ذات بمعنى القدرة والاستيلاء ف فَوْقَ لا يجوز أن تكون للجهة، وإنما هي لعلو القدر والشأن على حد ما تقول:

الياقوت فوق الحديد، وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ معناه يبثهم فيكم، وحَفَظَةً جمع حافظ مثل كاتب وكتبة،

<<  <  ج: ص:  >  >>