وكذلك قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣٠] وأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ [البقرة: ٢٥٤] وغير ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل رزقي في ظل رمحي» ، وقوله:«أرزاق أمتي في سنابك خيلها، وأسنة رماحها، فالغنيمة كلها رزق» ، والصحيح أن ما صح الانتفاع به هو الرزق، وهو مراتب أعلاها ما تغذي به، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله:«يقول ابن آدم:
مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت» .
قال القاضي أبو محمد: وفي معنى اللباس يدخل المركوب ونحوه، واختلف الناس في الذي هو له هذا المثيل فقال قتادة وابن عباس: هو مثل الكافر والمؤمن فكأن الكافر مملوك مصروف عن الطاعة فهو لا يقدر على شيء لذلك. ويشبه ذلك العبد المذكور.
قال القاضي أبو محمد: والتمثيل على هذا التأويل إنما وقع في جهة الكافر فقط، جعل له مثالا، ثم قرن بالمؤمن المرزوق إلا أن يكون المرزوق ليس بمؤمن، وإنما هو مثال للمؤمن، فيقع التمثيل من جهتين، وقال مجاهد والضحاك: هذا المثال والمثال الآخر الذي بعده إنما هو لله تعالى والأصنام، فتلك هي للعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى تتصرف قدرته دون معقب، وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل أصوب، لأن الآية تكون من معنى ما قبلها وبعدها في تبين أمر الله والرد على أمر الأصنام، وذكر الطبري عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، وعبد كان له، وروي تعيين غير هذا ولا يصح إسناده.
قال القاضي أبو محمد: والمثل لا يحتاج إلى تعيين أحد، وقوله الْحَمْدُ لِلَّهِ شكر على بيان الأمر بهذا المثال وعلى إذعان الخصم له، وهذا كما تقول لمن أذعن لك في حجة وسلم ما تبني أنت عليه قولك: الله أكبر، على هذا يكون كذا وكذا، فلما قال هنا هَلْ يَسْتَوُونَ؟ فكأن الخصم قال له لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة، وقوله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ يريد لا يعلمون أبدا ولا يداخلهم إيمان، ويتمكن على هذا قوله: أَكْثَرُهُمْ، لأن الأقل من الكفار هو الذي آمن من أولئك، ولو كان معنى قوله لا يَعْلَمُونَ أي الآن، لكان قوله أَكْثَرُهُمْ بمعنى الاستيعاب لأنه لم يكن أحد منهم يعلم.