المعنى: واذكر إذ قلنا، وكذلك إِذْ [الإسراء: ٦٠] في الآية المتقدمة: هي منصوبة بفعل مضمر، وقد تقدم في غير موضع ذكر خلق آدم وأمر السجود، واختلف في قوله إِلَّا إِبْلِيسَ فقيل هو استثناء منقطع، لأن إِبْلِيسَ لم يكن من الملائكة، وقيل هو متصل لأن إبليس من الملائكة، وقوله طِيناً يصح أن يكون تمييزا، ويصح أن يكون حالا، وقاس إِبْلِيسَ في هذه النازلة فأخطأ، وذلك أنه رأى الفضيلة لنفسه، من حيث رأى النار أفضل من الطين، وجهل أن الفضائل في الأشياء، إنما تكون حيث خصصها الله تعالى، ولا ينظر إلى أصولها. وذكر الطبري عن ابن عباس أن إبليس هو الذي أمره الله فأخذ من الأرض طينة آدم، والمشهور أنه ملك الموت، وكفر إبليس في أن جهل صفة العدل من الله تعالى، حين لحقته الأنفة، والكبر، وكان أصل ذلك الحسد، ولذلك قيل: إن أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس، من قوله أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف: ١١] حسبما ذكر الله في آية أخرى. فهذا هو النص بأن فعلك غير مستقيم، والكاف في قوله أَرَأَيْتَكَ هي كاف خطاب ومبالغة في التنبيه، لا موضع لها من الإعراب، فهي زائدة، ومعنى أرأيت: أتأملت ونحوه، كأن المخاطب بها ينبه المخاطب ليستجمع لما ينصه عليه بعد، وقال سيبويه: هي بمعنى أخبرني، ومثل بقوله أرأيتك زيدا أبو من هو؟ وقاله الزجاج: في آياتِنا [طه: ٥٦] ولم يمثل، وقول سيبويه: صحيح حيث يكون بعدها استفهام كمثاله، وأما في هذه الآية، فهي كما قلت، وليست التي ذكر سيبويه رحمه الله، وقرأ ابن كثير «أخرتني» بياء في الوصل والوقف، وهذا هو الأصل، وليس هذا الموضع كالقافية التي يحسن فيها الحذف، كمثل قول الأعشى:[المتقارب]
فهل يمنعني ارتياد البلاد ... من حذر الموت أن يأتين
وقرأ نافع وأبو عمرو بالياء في الوصل وبحذفها في الوقف، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي «أخرتن» بحذف الياء في الوصل والوقوف، وهذا تشبيه بياء قاض ونحوه، لكونها ياء متطرفة قبلها كسرة، ومنه قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هود: ١٠٥] وقوله لَأَحْتَنِكَنَّ معناه: لأميلن