[الأنعام: ١٥٢] الآية ونزلت إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: ١٠] تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم، فنزلت وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ الآية، وقيل: إن السائل عبد الله بن رواحة، وأمر الله تعالى نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير، وما فعل بعد هذا المقصد من مخالطة وانبساط بعوض منه فلا حرج، ورفع تعالى المشقة في تجنب اليتيم ومأكله ومشربه، وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم، مثال ذلك أن يكتفي اليتيم دون خلطة بقدر ما في الشهر، فإن دعت خلطة الولي إلى أن يزاد في ذلك القدر فهي مخالطة فساد، وإن دعت إلى الحط من ذلك القدر فهي مخالطة إصلاح، وقوله تعالى: فَإِخْوانُكُمْ خبر ابتداء محذوف، وقوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ تحذير، والعنت المشقة، منه عنت العزبة، وعقبة عنوت أي شاقة، وعنت البعير إذا انكسر بعد جبر، فالمعنى: لأتعبكم في تجنب أمر اليتامى، ولكنه خفف عنكم، وقال ابن عباس: المعنى لأوبقكم بما سلف من نيلكم من أموال اليتامى، وعَزِيزٌ مقتضاه لا يرد أمره، وحَكِيمٌ أي محكم ما ينفذه.
وقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الآية، قرأ جمهور الناس «تنكحوا» بفتح التاء، وقرئت في الشاذ بالضم كأن المتزوج لها أنكحها من نفسه، ونكح أصله الجماع، ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا، وقالت طائفة: الْمُشْرِكاتِ هنا من يشرك مع الله إلها آخر، فلم تدخل اليهوديات ولا النصرانيات في لفظ هذه الآية، ولا في معناها، وسببها قصة أبي مرثد كناز بن حصين مع عناق التي كانت بمكة، وقال قتادة وسعيد بن جبير: لفظ الآية العموم في كل كافرة، والمراد بها الخصوص في الكتابيات، وبينت الخصوص آية المائدة ولم يتناول قط الكتابيات، وقال ابن عباس والحسن: تناولهن العموم ثم نسخت آية سورة المائدة بعض العموم في الكتابيات، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب وقال:
«ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله مستثقل مذموم» ، وكره مالك رحمه الله تزوج الحربيات لعلة ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير، وأباح نكاح الكتابيات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وجابر بن عبد الله وطلحة وعطاء بن أبي رباح وابن المسيب والحسن وطاوس وابن جبير والزهري والشافعي وعوام أهل المدينة والكوفة، ومنه مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق نكاح المجوسية، وقال ابن حنبل: لا يعجبني، وروي أن حذيفة بن اليمان تزوج مجوسية، وقال ابن الفصار:
«قال بعض أصحابنا: يجب- على أحد القولين أن لهم كتابا- أن تجوز مناكحتهم» . وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من كان على غير الإسلام حرام» .
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في سورة المائدة، وينظر إلى هذا قول ابن عمر في الموطأ:«ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى» ، وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما، ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يستند جيدا، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة:
أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا