وقيل: الدم حرام لأنه إذا زايل فقد انسفخ، و «الرجس» النتن والحرام، يوصف بذلك الأجرام والمعاني كما قال عليه السلام: دعوها فإنها منتنة الحديث، فكذلك قيل في الأزلام والخمر رجس، والرجس أيضا العذاب لغة بمعنى الرجز، وقوله أَوْ فِسْقاً يريد ذبائحهم التي يختصون بها أصنامهم، وقوله تعالى:
فَمَنِ اضْطُرَّ الآية، أباح الله فيها مع الضرورة ركوب المحظور دون بغي.
واختلف الناس فيم ذا فقالت فرقة دون أن يبغي الإنسان في أكله فيأكل فوق ما يقيم رمقه وينتهي إلى حد الشبع وفوقه، وقالت فرقة: بل دون أن يبغي في أن يكون سفره في قطع طريق أو قتل نفس أو يكون تصرفه في معصية فإن ذلك لا رخصة له، وأما من لم يكن بهذه الأحوال فاضطر فله أن يشبع ويتزود، وهذا مشهور قول مالك بن أنس رحمه الله، وقال بالأول الذي هو الاقتصار على سد الرمق عبد المالك بن حبيب رحمه الله، وقوله فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إباحة تعطيها قوة للفظ.
قوله عز وجل:
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٦]]
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦)
لما ذكر الله عز وجل ما حرم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعقب ذلك بذكر ما حرم على اليهود لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم إن الله لم يحرم علينا شيئا وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه، وقد تقدم القول في سورة البقرة في هادُوا ومعنى تسميتهم يهودا، وكُلَّ ذِي ظُفُرٍ يراد به الإبل والنعام والإوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر، وقال أبو زيد:
المراد الإبل خاصة وهذا ضعيف التخصيص، وذكر النقاش عن ثعلب أن كل ما لا يصيد فهو ذو ظفر وما يصيد فهو ذو مخلب.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا غير مطرد لأن الأسد ذو ظفر، وقرأ جمهور الناس «ظفر» بضم الظاء والفاء، وقرأ الحسن والأعرج «ظفر» بسكون الفاء، وقرأ أبو السمال قعنب «ظفر» بكسر الظاء وسكون الفاء.
وأخبرنا الله عز وجل في هذه الآية بتحريم الشحوم على بني إسرائيل وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحما خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية.
واختلف العلماء في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائح اليهود فحكى ابن المنذر في الأشراف عن مالك وغيره منع أكل الشحم من ذبائح اليهود وهو ظاهر المدونة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا على القول في قوله عز وجل: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: ٥] بأنه المطعوم من ذبائحهم وأما ما لا يحل لهم فلا تقع عليه ذكاة بل هو