المحبة في الشاهد إرادة يقترن بها استحسان وميل اعتقاد، فتكون الأفعال الظاهرة من المحب بحسب ذلك، والْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لا يكون من الله تعالى فيه شيء من ذلك، أما أنه يريد وقوع الواقع منه ولا يحبه هو في نفسه. والْجَهْرَ: كشف الشيء، ومنه الجهرة في قول الله تعالى أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: ٥٣] ومنه قولهم: جهرت البير، إذا حفرت حتى أخرجت ماءها، واختلف القراء في قوله تعالى إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وقراءة جمهور الناس بضم الظاء وكسر اللام، وقرأ ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم والضحاك بن مزاحم وابن عباس وابن جبير وعطاء بن السائب وعبد الأعلى بن عبد الله بن مسلم بن يسار ومسلم بن يسار وغيرهم «إلا من ظلم» بفتح الظاء واللام، واختلف المتأولون على القراءة بضم الظاء، فقالت فرقة: المعنى لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول «إلا من ظلم» فلا يكره له الجهر به، ثم اختلفت هذه الفرقة في كيفية الجهر بالسوء وما هو المباح من ذلك، فقال الحسن: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه، ولكن ليقل: اللهم أعنّي عليه، اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بيني وبين ما يريد من ظلمي، وقال ابن عباس وغيره: المباح لمن ظلم أن يدعو على من ظلمه، وإن صبر فهو أحسن له، وقال مجاهد وغيره: هو في الضيف المحول رحله، فإنه يجهر الذي لم يكرمه بالسوء من القول، فقد رخص له أن يقول فيه: وفي هذا نزلت الآية، ومقتضاها ذكر الظلم وتبيين الظلامة في ضيافة وغيرها، وقال ابن عباس والسدي: لا بأس لمن ظلم أن ينتصر ممن ظلمه بمثل ظلمه، ويجهر له بالسوء من القول.
قال القاضي رحمه الله: فهذه الأقوال على أربع مراتب:
قول الحسن دعاء في المدافعة، وتلك أقل منازل السوء من القول.
وقول ابن عباس الدعاء على الظالم بإطلاق في نوع الدعاء.
وقول مجاهد، ذكر الظلامة والظلم.
وقول السدي الانتصار بما يوازي الظلامة.
وقال ابن المستنير: إِلَّا مَنْ ظُلِمَ معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول كفرا أو نحوه،