للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة قبيلا، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم، ومن أن اقترح أنا عليه هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم، أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما علي التبليغ فقط، وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال سبحان ربي» على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم، وقوله تعالى: وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا هذه الآية على معنى التوبيخ والتلهف من النبي عليه السلام والبشر، كأنه يقول متعجبا منهم ما شاء الله كان، ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا هذه العلة النزرة والاستبعاد الذي لا يستند إلى حجة، وبعثة البشر رسلا غير بدع ولا غريب، فيها يقع الإفهام والتمكن من النظر كما لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يسكنونها مُطْمَئِنِّينَ، أي وادعين فيها مقيمين لكان الرسول إليهم من الملائكة ليقع الإفهام، وأما البشر فلو بعث إليهم ملك لنفرت طباعهم من رؤيته، ولم تحتمله أبصارهم ولا تجلدت له قلوبهم، وإنما أراد الله جري أحوالهم على معتادها.

قوله عز وجل:

[سورة الإسراء (١٧) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]

قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨)

روى البخاري أن الملأ من قريش الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم المقالات التي تقدم ذكرها من عرض الملك عليه والغنى وغير ذلك، قالوا له في آخر قولهم: فلتجىء معك طائفة من الملائكة تشهد لك بصدقك في نبوتك، قال المهدوي: روي أنهم قالوا له: فمن يشهد لك؟.

قال القاضي أبو محمد: ومعنى أقوالهم إنما هو طلب شهادة دون أن يذكروها، ففي ذلك نزلت الآية، أي الله يشهد بيني وبينكم الذي له الخبر والبصر لجميعنا صادقنا وكاذبنا، ثم رد الأمر إلى خلق الله تعالى واختراعه الهدى والضلال في قلوب البشر، أي ليس بيدي من أمركم أكثر من التبليغ، وفي قوله فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وعيد، ثم أخبر عز وجل أنهم يحشرون على الوجوه عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا، وهذا قد اختلف فيه، فقيل هي استعارات إما لأنهم من الحيرة والهم والذهول يشبهون أصحاب هذه الصفات، وإما من حيث لا يرون ما يسرهم ولا يسمعونه ولا ينصفونه بحجة، وقيل هي حقيقة كلها، وذلك عند قيامهم من قبورهم، ثم يرد الله إليهم أبصارهم وسمعهم ونطقهم، فعند رد ذلك إليهم يرون النار ويسمعون زفيرها ويتكلمون بكل ما حكي عنهم في ذلك، ويقال للمنصرف عن أمر خائفا مهموما: انصرف على وجهه، ويقال للبعير المتفه كأنما يمشي على وجهه، ومن قال ذلك في الآية حقيقة، قال: أقدرهم الله على النقلة على الوجوه، كما أقدر في الدنيا على النقلة على الأقدام، وفي هذا المعنى حديث قيل يا رسول الله: كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال: «أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجلين قادرا أن يمشيه في

<<  <  ج: ص:  >  >>