والخطاب في قوله: وَكُنْتُمْ لجميع العالم، لأن الموصوفين من أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ليسوا في أمة محمد، والأزواج: الأنواع والضروب. قال قتادة: هذه منازل الناس يوم القيامة.
وقوله تعالى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ابتداء، و: ما ابتداء ثان. و: أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ خبرها، والجملة خبر الابتداء الأول، وفي الكلام معنى التعظيم، كما تقول زيد ما زيد، ونظير هذا في القرآن كثير، والْمَيْمَنَةِ: أظهر ما في اشتقاقها أنها من ناحية اليمين، وقيل من اليمن، وكذلك الْمَشْئَمَةِ إما أن تكون من اليد الشؤمى، وإما أن تكون من الشؤم، وقد فسرت هذه الآية بهذين المعنيين، إذ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ الميامين على أنفسهم، قاله الحسن والربيع، ويشبه أن اليمن والشؤم إنما اشتقا من اليمنى والشؤمى وذلك على طريقهم في السانح والبارح، وكذلك اليمن والشؤم اشتقا من اليمنى والشؤمى.
وقوله: وَالسَّابِقُونَ ابتداء و: السَّابِقُونَ الثاني. قال بعض النحويين: هو نعت للأول، ومذهب سيبويه أنه خبر الابتداء، وهذا كما تقول العرب: الناس الناس، وأنت أنت، وهذا على معنى تفخيم أمر وتعظيمه، ومعنى الصفة هو أن تقول: وَالسَّابِقُونَ إلى الإيمان السَّابِقُونَ إلى الجنة والرحمة أُولئِكَ، ويتجه هذا المعنى على الابتداء والخبر.
وقوله: أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ابتداء وخبر، وهو في موضع الخبر على قول من قال: السَّابِقُونَ الثاني صفة، و: الْمُقَرَّبُونَ معناه من الله في جنة عدن. قال جماعة من أهل العلم: وهذه الآية متضمنة أن العالم يوم القيامة على ثلاثة أصناف: مؤمنون، هم على يمين العرش، وهنالك هي الجنة، وكافرون، هم على شؤمى العرش، وهنالك هي النار. والقول في يمين العرش وشماله نحو من الذي هو في سورة الكهف في اليمين والشمال. وقد قيل في أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ واليمين: إنهم من أخذ كتابه بيمينه، وفي أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ والشمال: إنهم من أخذه بشماله، فعلى هذا ليست نسبة اليمين والشمال إلى العرش. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أصحاب اليمين أطفال المؤمنين، وقيل المراد ميمنة آدم ومشأمته المذكورتان في حديث الإسراء في الأسودة.
و: السَّابِقُونَ معناه: قد سبقت لهم السعادة، وكانت أعمالهم في الدنيا سبقا إلى أعمال البر وإلى ترك المعاصي، فهذا عموم في جميع الناس. وخصص المفسرون في هذا أشياء، فقال عثمان بن أبي سودة: هم السَّابِقُونَ إلى المساجد. وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا القبلتين. وقال كعب: هم أهل القرآن، وقيل غير هذا مما هو جزء من الأعمال الصالحة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وسئل عن السابقين، فقال: «هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه، وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم» .
وقرأ طلحة بن مصرف: «في جنة النعيم» على الإفراد. و: الْمُقَرَّبُونَ عبارة عن أعلى منازل البشر في الآخرة، وقيل لعامر بن عبد قيس في يوم حلبة من سبق فقال الْمُقَرَّبُونَ.
قوله عز وجل:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٣ الى ٢٦]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢)
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)