للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سبب الآية فقال ابن جريج: «نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك» ، وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام، وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه، واليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا.

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٢٥ الى ٢٢٧]

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٢٥) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٧)

«اللغو» سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان، تشبيها بالسقط من القول، يقال منه لغا يلغو لغوا ولغى يلغي لغيا، ولغة القرآن بالواو، والمؤاخذة هي التناول بالعقوبة، واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو، فقال ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد: لغو اليمين قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين، وروي أن قوما تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف أحدهم: لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلافه، فقال رجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة» ، وقال أبو هريرة وابن عباس أيضا والحسن ومالك بن أنس وجماعة من العلماء: لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك.

قال القاضي أبو محمد: وهذا اليقين هو غلبة ظن أطلق الفقهاء عليه لفظة اليقين تجوزا، قال مالك:

«مثله أن يرى الرجل على بعد فيعتقد أنه فلان لا يشك، فيحلف، ثم يجيء غير المحلوف عليه» ، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير: لغو اليمين الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه، وقال سعيد بن جبير مثله، إلا أنه قال: يكفر، فأشبه قوله بالكفارة قول من لا يراها لغوا، وقال ابن عباس أيضا وطاوس: لغو اليمين الحلف في حال الغضب، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمين في غضب» ، وقال مكحول الدمشقي وجماعة من العلماء: لغو اليمين أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول مالي عليّ حرام إن فعلت كذا، أو الحلال عليّ حرام، وقال بهذا القول مالك بن أنس إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه، وقال زيد بن أسلم وابنه: لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره، أذهب الله ماله، هو يهودي، هو مشرك، هو لغيّة إن فعل كذا، وقال ابن عباس أيضا والضحاك: لغو اليمين هو المكفرة، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوا، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير، وقال إبراهيم النخعي: «لغو اليمين ما حنث فيه الرجل ناسيا» ، وحكى ابن عبد البر قولا إن اللغو أيمان المكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>