[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)
العامل في إِذْ فعل مضمر تقديره ومننا إذ، وتقدم تفسير هذه الآية في القصص المذكور آنفا.
وقرأت فرقة «تقر» بفتح القاف، وقرأت فرقة بكسر القاف والنفس التي قتل هي نفس القبطي الذي كان يقاتل الإسرائيلي فوكزه موسى فقضى عليه، والْغَمِّ هم النفس وكان هم موسى بأمر من طلبه ليثأر به.
وقوله فَتَنَّاكَ فُتُوناً معناه خلصناك تخليصا، هذا قول جمهور المفسرين. وقالت فرقة معناه اختبرناك وعلى هذا التأويل لا يراد إلا ما اختبر به موسى بعد بلوغه وتكليفه وما كان قبل ذلك فلا يدخل في اختبار موسى وعدة سنية فِي أَهْلِ مَدْيَنَ عشرة أعوام لأنه إنما قضى أوفى الأجلين وقوله عَلى قَدَرٍ أي بميقات محدود للنبوة التي قد أرداها الله بك ومنه قول الشاعر: [البسيط]
نال الخلافة إذ كانت له قدرا ... كما أتى ربه موسى على قدر
وَاصْطَنَعْتُكَ معناه جعلتك موضع الصنيعة ومقر الإجمال والإحسان، وقوله لِنَفْسِي إضافة تشريف، وهكذا كما تقول بيت الله ونحوه والصيام لي وعبر ب «النفس» عن شدة القرب وقوة الاختصاص.
قوله عز وجل:
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤٢ الى ٤٦]
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦)
أمر الله تعالى موسى وهارون في هذه الآية بالنفوذ إلى دعوة فرعون وخاطب موسى وحده تشريفا له ويحتمل أن هارون أوحي إليه مع ملك أن ينفذ، وبِآياتِي معناه بعلاماتي التي أعطيتكموها من معجزة وآية ووحي وأمر ونهي كالتوراة، وتَنِيا معناه تضعفا وتبطيا تقول ونا فلان في أمر كذا إذا تباطأ فيه عن ضعف ومنه قول الشاعر: [المضارع]
فما أنا بالواني ... ولا الضرع الغمر
والونى الكلال والفتور والفشل في البهائم والإنس، وفي مصحف ابن مسعود «ولا تهنا في ذكري» معناه ولا تلينا من قولك هين لين والقول اللين قالت فرقة: معناه كنياه وقالت فرقة بل أمرهما بتحسين الكلمة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الوجه، وذلك أن كل من يريد دعاء إنسان إلى أمر يكرهه فإنما الوجه أن يحرر في عبارته بالمعنى الذي يريد حتى لا يخل به ولا يحز منه، ثم يجتهد بعد ذلك في أن تكون عبارته لطيفة ومقابلته لينة وذلك أجلب للمراد فأمر الله تعالى موسى وهارون أن يسلكا مع فرعون إكمال