قال الفقيه الإمام القاضي: فكأن ترك ما يجب فعله وامتثال هذه المنكرات شراء لها على حد قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى [البقرة: ١٦، ١٧٥] ، وقد قال مطرف: شراء لَهْوَ الْحَدِيثِ استحبابه، قال قتادة ولعله لا ينفق فيه مالا ولكن سماعه هو شراؤه، وقال الضحاك لَهْوَ الْحَدِيثِ الشرك، وقال مجاهد أيضا لَهْوَ الْحَدِيثِ الطبل وهذا ضرب من الغناء.
قال الفقيه الإمام القاضي: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث منضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً، والتوعد بالعذاب المهين، وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا، ولَهْوَ الْحَدِيثِ كل ما يلهي من غناء وخنى ونحوه، والآية باقية المعنى في أمة محمد ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر ولا يتخذوا الآيات هزوا ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة ويقطع زمانا بمكروه، وليكون من جملة العصاة والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث وقد جعلوا الحديث من القربى، وقيل لبعضهم أتمل الحديث؟ قال: إنما يمل العتيق.
قال الفقيه الإمام القاضي: يريد القديم المعاد، لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل، وقرأ نافع وعاصم والحسن وجماعة «ليضل» بضم الياء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتحها، وفي حرف أبيّ «ليضل الناس عن سبيل الله» ، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «ويتخذها» بالنصب عطفا على لِيُضِلَّ، وقرأ الباقون «ويتخذها» بالرفع عطفا على يَشْتَرِي، والضمير في يَتَّخِذَها يحتمل أن يعود على الْكِتابِ المذكور أولا ويحتمل أن يعود على السبيل، ويحتمل أن يعود على الأحاديث لأن الحديث اسم جنس بمعنى الأحاديث، وكذلك سَبِيلِ اللَّهِ اسم جنس ولكل وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل.
هذا دليل على كفر الذي نزلت فيه هذه الآية التي قبلها، و «الوقر» في الأذن الثقل الذي يعسر إدراك المسموعات، وجاءت البشارة بالعذاب من حيث قيدت ونص عليها، ولما ذكر عز وجل حال هؤلاء الكفرة وتوعدهم بالنار على أفعالهم، عقب بذكر المؤمنين وما وعدهم به من جَنَّاتُ النَّعِيمِ ليبين الفرق، ووَعْدَ اللَّهِ منصوب على المصدر، وحَقًّا مصدر مؤكد، وقوله تعالى: بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها يحتمل