للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلف المفسرون في البقية ما هي؟: فقال ابن عباس: هي عصا موسى ورضاض الألواح، وقال الربيع: هي عصا موسى وأمور من التوراة. وقال عكرمة: هي التوراة والعصا ورضاض الألواح.

قال القاضي أبو محمد: ومعنى هذا ما روي من أن موسى عليه السلام لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل ألقى الألواح غضبا فتكسرت. فنزع منها ما بقي صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر فجعل في التابوت. وقال أبو صالح: البقية عصا موسى وعصا هارون ولوحان من التوراة والمن. وقال عطية بن سعد: هي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح. وقال الثوري: من الناس من يقول البقية قفيز منّ ورضاض الألواح. ومنهم من يقول: العصا والنعلان. وقال الضحّاك: البقية الجهاد وقتال الأعداء.

قال القاضي أبو محمد: أي الأمر بذلك في التابوت، إما أنه مكتوب فيه، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك، وأسند الترك إلى آل موسى وهارون من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم، وكلهم آل لموسى وهارون، وآل الرجل قرابته وأتباعه، وقال ابن عباس والسدي وابن زيد: حمل الملائكة هو سوقها التابوت دون شيء يحمله سواها حتى وضعته بين يدي بني إسرائيل وهم ينظرون إليه بين السماء والأرض، وقال وهب بن منبه والثوري عن بعض أشياخهم: حملها إياه هو سوقها الثورين أو البقرتين اللتين جرتا العجلة به، ثم قرر تعالى أن مجيء التابوت آية لهم إن كانوا ممن يؤمن ويبصر بعين حقيقة.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٤٩]]

فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)

قبل هذه الآية متروك من اللفظ يدل معنى ما ذكر عليه، وهو فاتفق بنو إسرائيل على طالوت ملكا وأذعنوا وتهيؤوا لغزوهم عدوهم فلما فصل، وفَصَلَ معناه خرج بهم من القطر، وفصل حال السفر من حال الإقامة، قال السدي وغيره: كانوا ثمانين ألفا.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ولا محالة أنهم كان فيهم المؤمن والمنافق والمجد والكسلان، وقال وهب بن منبه: لم يتخلف عنه إلا ذو عذر من صغر أو كبر أو مرض.

واختلف المفسرون في النهر، فقال وهب بن منبه: لما فصل طالوت قالوا له إن المياه لا تحملنا فادع الله يجر لنا نهرا، فقال لهم طالوت إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ الآية، وقال قتادة: النهر الذي ابتلاهم الله به هو نهر بين الأردن وفلسطين، وقاله ابن عباس، وقال أيضا هو والسدي: النهر نهر فلسطين، وقرأ جمهور القراء «بنهر» بفتح الهاء، وقرأ مجاهد وحميد الأعرج وأبو السمال وغيرهم «بنهر» بإسكان الهاء في جميع القرآن، ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم أنه يطيع فيما عدا ذلك، ومن غلب شهوته في الماء وعصى الأمر فهو بالعصيان في الشدائد أحرى، وروي أنهم أتوا النهر وهم قد نالهم عطش وهو في غاية العذوبة والحسن، ولذلك رخص للمطيعين في الغرفة ليرتفع عنهم أذى العطش بعض الارتفاع، وليكسروا نزاع النفس في هذه الحال إلى الاغتراف بالأيدي لنظافته وسهولته، وقد قال

<<  <  ج: ص:  >  >>