لما أخبرهم تعالى أنهم لا يعلمون الحق لإعراضهم أتبع ذلك بإعلامهم أنه ما أرسل قط رسولا إلا أوحى إليه أن الله تعالى فرد صمد، وهذه عقيدة لم تختلف فيها النبوات، وإنما اختلفت في الأحكام. وقرأ حمزة والكسائي «نوحي» بنون مضمومة، وقرأ الباقون «يوحى» بياء مضمومة. واختلف عن عاصم ثم عدد بعد ذلك نوعا آخر من كفرهم وذلك أنهم مع اتخاذهم آلهة كانوا يقربون بالله تعالى هو الخالق الرازق إلا أنهم قال بعضهم اتخذ الملائكة بنات، وقال نحو هذه المقالة النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام، واليهود في عزير، فجاءت هذه الآية رادة على جميعهم منبهة عليهم، ثم نزه تعالى نفسه عن مقالة الكفرة وأضرب عن مقالهم ونص ما هو الأمر في نفسه بقوله بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ وهذه عبارة تشمل الملائكة وعزيرا وعيسى. وقوله تعالى: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ عبارة عن حسن طاعتهم ومراعاتهم لامتثال الأمر، وقوله تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ أي ما تقدم من أفعالهم وأعمالهم، والحوادث التي لها إليهم تنسب وما تأخر، ثم أخبر تعالى أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله أن يشفع له، قال بعض المفسرين لأهل لا إله إلا الله، «والمشفق» البالغ في الخوف المحترق من الفزع على أمر ما.
المعنى من يقل منهم كذا أن لو قاله وليس منهم من قال هذا، وقال بعض المفسرين المراد بقوله وَمَنْ يَقُلْ الآية، إبليس.
قال القاضي أبو محمد: هذا ضعيف لأن إبليس لم يرو قط أنه ادعى ربوبية، وقرأ الجمهور «نجزيه» بفتح النون، وقرأ أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد «نجزيه» بضم النون والهاء ووجهها أن المعنى نجعلها تكتفي به من قولك أجزاني الشيء ثم خففت الهمزة ياء. وقوله تعالى: كَذلِكَ أي كجزائنا هذا القائل جزاؤنا الظالمين، ثم وقفهم على عبرة دالة على وحدانية الله جلت قدرته، و «الرتق» الملتصق بعضه ببعض المبهم الذي لا صدع فيه ولا فتح ومنه امرأة رتقاء، واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما فقالت فرقة كانت السماء ملتصقة بعضها ببعض والأرضون كذلك ففتقهما الله تعالى سبعا