ولا معذبين، ويجيء على هذا التأويل قوله إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إلى قوله الْعامِلُونَ، متصلا بكلامه خطابا لرفقائه، ويحتمل قوله أَفَما نَحْنُ إلى قوله بِمُعَذَّبِينَ أن تكون مخاطبة لقرينه على جهة التوبيخ، كأنه يقول أين الذي كنت تقول من أنا نموت وليس بعد الموت عقاب ولا عذاب، ويكون قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ إلى الْعامِلُونَ يحتمل أن يكون من خطاب المؤمن لقرينه، وإليه ذهب قتادة، ويحتمل أن يكون من خطاب الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ويقوى هذا لأن قول المؤمن لمثل هذا فليعمل، والآخرة ليست بدار عمل يقلق إلا على تجوز كأنه يقول لمثل هذا كان ينبغي أن يعمل الْعامِلُونَ.
الألف من قوله أَذلِكَ للتقرير، والمراد تقرير قريش والكفار، وجاء بلفظة التفضيل بين شيئين لا اشتراك بينهما من حيث كان الكلام تقريرا، والاحتجاج يقتضي أن يوقف المتكلم خصمه على قسمين:
أحدهما فاسد ويحمله بالتقرير على اختبار أحدهما ولو كان الكلام خبرا لم يجز ولا أفاد أن يقال الجنة خير من شَجَرَةُ الزَّقُّومِ وأما قوله تعالى خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا [الفرقان: ٢٤] فهذا على اعتقادهم في أن لهم مستقرا جيدا وقد تقدم إيعاب هذا المعنى.
قال القاضي أبو محمد: وفي بعض البلاد الجدبة المجاورة للصحارى شجرة مرة مسمومة لها لبن إن مس جسم أحد تورم، ومات منه في أغلب الأمر تسمى شجرة الزقوم، والتزقم في كلام العرب البلع على شدة وجهد، وقوله تعالى: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ قال قتادة والسدي ومجاهد: يريد أبا جهل ونظراءه وذلك أنه لما نزلت أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، قال الكفار، وكيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار وهي تأكلها وتذهبها ففتنوا بذلك أنفسهم وجهلة من أتباعهم، وقال أبو جهل: إنما الزقوم التمر بالزبد ونحن نتزقمه، وقوله فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ معناه ملاصق نهاياتها التي لها كالجدرات، وفي قراءة ابن مسعود «إنها شجرة ثابتة في أصل الجحيم» ، وقوله تعالى: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ اختلف الناس في معناه، فقالت فرقة: شبه بثمر شجرة معروفة يقال لها رُؤُسُ الشَّياطِينِ وهي بناحية اليمن يقال لها الأستق، وهو الذي ذكر النابغة في قوله:«تحيد من أستق سودا أسافله» . ويقال إنه الشجر الذي يقال له الصوم وهو الذي يعني ساعدة بن جوبة في قوله:
موكل بشدوق الصوم يرقبها ... من المغارب مخطوف الحشا زرم