بالنهيق وشحّى اللجام في الفرس، والنهي في أن يأخذ أحد عرض أخيه همسا راتب، فذكر التشحي إنما هو إشارة إلى التشدق والانبساط، وقوله: وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ إعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم، وفي قراءة عبد الله بن مسعود:«قد بدا البغضاء» بتذكير الفعل، لما كانت الْبَغْضاءُ بمعنى البغض، ثم قال تعالى للمؤمنين، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ تحذيرا وتنبيها، وقد علم تعالى أنهم عقلاء ولكن هذا هز للنفوس كما تقول: إن كنت رجلا فافعل كذا وكذا.
تقدم إعراب نظير هذه الآية وقراءتها في قوله تعالى آنفا: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران: ٦٦] والضمير في تُحِبُّونَهُمْ لمنافقي اليهود الذين تقدم ذكرهم في قوله: بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران: ١١٨] والضمير في هذه الآية اسم للجنس، أي تؤمنون بجميع الكتب وهم لا يؤمنون بقرآنكم، وإنما وقف الله تعالى المؤمنين بهذه الآية على هذه الأحوال الموجبة لبغض المؤمنين لمنافقي اليهود واطراحهم إياهم، فمن تلك الأحوال أنهم لا يحبون المؤمنين وأنهم يكفرون بكتابهم وأنهم ينافقون عليهم ويستخفون بهم ويغتاظون ويتربصون الدوائر عليهم، وقوله تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه ومنه قول أبي طالب: [الطويل](يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل) ومنه قول الآخر [الفرزدق] :
وقد شهدت قيس فما كان نصرها ... قتيبة إلّا عضّها بالأباهم
وهذا العض هو بالأسنان، وهي هيئة في بدن الإنسان تتبع هيئة النفس الغائظة، كما أن عض اليد على اليد يتبع هيئة النفس النادمة فقط، إلى غير ذلك من عد الحصى والخط في الأرض للمهموم ونحوه، ويكتب هذا العض بالضاد، ويكتب عظ الزمان بالظاء المشالة وواحد «الأنامل» أنملة بضم الميم، ويقال بفتحها والضم أشهر، ولا نظير لهذا الاسم في بنائه إلا أشد، له نظائر في الجموع، وقوله وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ يقتضي أن الآية في منافقي اليهود لا في منافقي العرب، ويعترضها أن منافقي اليهود لم يحفظ عنهم أنهم كانوا يؤمنون في الظاهر إيمانا مطلقا ويكفرون في الباطن، كما كان المنافقون من العرب يفعلون، إلا ما روي من أمر زيد بن الصيت القينقاعي فلم يبق إلا أن قولهم: آمَنَّا معناه: صدقنا أنه نبي مبعوث إليكم، أي فكونوا على دينكم ونحن أولياؤكم وإخوانكم ولا نضمر لكم إلا المودة، ولهذا كان بعض المؤمنين يتخذهم بطانة، وهذا منزع قد حفظ أن كثيرا من اليهود كان يذهب إليه، ويدل على هذا التأويل أن المعادل لقولهم آمَنَّا، «عض الأنامل من الغيظ» ، وليس هو ما يقتضي الارتداد كما هو في قوله