للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمثلة هذا كثيرة وتأنس أبو علي في هذا المعنى بقول الشاعر: [الطويل]

تذكّر من أنّى ومن أين شربه ... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الآبل

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٠]]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠)

العامل في إِذْ فعل مضمر تقديره واذكر. واختلف الناس لم صدرت هذه المقالة عن إبراهيم عليه السلام؟ فقال الجمهور: إن إبراهيم عليه السلام لم يكن شاكا في إحياء الله الموتى قط، وإنما طلب المعاينة. وترجم الطبري في تفسيره فقال: وقال آخرون سأل ذلك ربه لأنه شك في قدرة الله على إحياء الموتى وأدخل تحت الترجمة عن ابن عباس أنه قال: ما في القرآن آية أرجى عندي منها، وذكر عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى؟ وذكر حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم.

الحديث. ثم رجح الطبري هذا القول الذي يجري مع ظاهر الحديث. وقال: إن إبراهيم لما رأى الجيفة تأكل منها الحيتان ودواب البر ألقى الشيطان في نفسه فقال: متى يجمع الله هذه من بطون هؤلاء؟ وأما من قال: بأن إبراهيم لم يكن شاكا، فاختلفوا في سبب سؤاله، فقال قتادة: إن إبراهيم رأى دابة قد توزعتها السباع فعجب وسأل هذا السؤال. وقال الضحاك: نحوه، قال: وقد علم عليه السلام أن الله قادر على إحياء الموتى، وقال ابن زيد: رأى الدابة تتقسمها السباع والحيتان لأنها كانت على حاشية البحر، وقال ابن إسحاق، بل سببها أنه لما فارق النمرود وقال له: أنا أحيي وأميت، فكر في تلك الحقيقة والمجاز، فسأل هذا السؤال. وقال السدي وسعيد بن جبير: بل سبب هذا السؤال أنه لما بشر بأن الله اتخذه خليلا أراد أن يدل بهذا السؤال ليجرب صحة الخلة، فإن الخليل يدل بما لا يدل به غيره، وقال سعيد بن جبير: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي يريد بالخلة.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: وما ترجم به الطبري عندي مردود، وما أدخل تحت الترجمة متأول، فأما قول ابن عباس: هي أرجى آية فمن حيث فيها الإدلال على الله تعالى وسؤال الإحياء في الدنيا، وليست مظنة ذلك، ويجوز أن يقول: هي أرجى آية لقوله، أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ أي إن الإيمان كاف لا يحتاج بعده إلى تنقير وبحث، وأما قول عطاء بن أبي رباح: دخل قلب إبراهيم بعض ما يدخل قلوب الناس فمعناه من حب المعاينة، وذلك أن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به، ولهذا قال النبي عليه السلام: «ليس الخبر كالمعاينة» ، وأما قول النبي عليه السلام نحن أحق بالشك من إبراهيم فمعناه: أنه لو كان شك لكنا نحن أحق به ونحن لا نشك، فإبراهيم عليه السلام أحرى أن لا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم. والذي روي فيه عن النبي عليه السلام أنه قال: ذلك محض

<<  <  ج: ص:  >  >>