للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَسِيتَها

والنسيان في هذه الآية بمعنى الترك ولا مدخل للذهول في هذا الموضع، وتُنْسى بمعنى تترك في العذاب وروي أن هذه الآية نزلت في المرشي.

قوله عز وجل:

[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٢٧ الى ١٣٠]

وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى (١٢٧) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (١٢٨) وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)

المعنى وكما وصفنا من أليم الأفعال نَجْزِي المسرفين المتعدين الكفار بالله عز وجل، وقوله وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ إن كانت معيشة الضنك في الدنيا أو البرزخ فجاء هذا وعيدا في الآخرة بعد وعيد، وإن كانت المعيشة في الآخرة فأكد الوعيد بعينه هذا القول، الذي جعل به عذاب الآخرة فوق كل عذاب يتخيله الإنسان أو يقع في الدنيا، ثم ابتدأ يوبخهم ويذكرهم العبر بقوله أَفَلَمْ يَهْدِ، لَهُمْ وقرأت فرقة «يهد» بالياء بمعنى يتبين، واختلفت هذه الفرقة في الفاعل فقال بعضها الفاعل كَمْ وهذا قول كوفي، ونحاة البصرة لا يجيزونه لأن «كم» لها صدر الكلام، وفي قراءة ابن مسعود «أفلم يهد لهم من أهلكنا» فكأن هذه القراءة تناسب ذلك التأويل في كَمْ وقال بعضهم الفاعل الله عز وجل، والمعنى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ما جعل الله لهم من الآيات والعبر فأضاف الفعل إلى الله عز وجل بهذا الوجه قاله الزجاج، وقال بعضهم الفاعل مقدر الهدى أو الأمرع أو النظر أو الاعتبار هذا أحسن ما يقدر به عندي، وقرأت فرقة «نهد» بالنون وهذه القراءة تناسب تأويل من قال في التي قبلها الفاعل الله تعالى. وكَمْ على هذه الأقوال نصب ب أَهْلَكْنا، ثم قيد الْقُرُونِ بأنهم يمشي هؤلاء الكفرة فِي مَساكِنِهِمْ فإنما أراد عادا أو ثمود أو الطوائف التي كانت قريش تجوز على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، وقرأت فرقة «يمشون» بفتح الياء، وقرأت فرقة «يمشون» بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، والنُّهى جمع نهية وهو ما ينهى الإنسان عن فعل القبيح، ثم أعلم عز وجل قبله أن العذاب كان يصير لهم لِزاماً لَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ من الله تعالى في تأخيره عنهم إلى أَجَلٌ مُسَمًّى عنده فتقدير الكلام وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ في التأخير وَأَجَلٌ مُسَمًّى لكان العذاب لِزاماً كما تقول لكان حتما أو واجبا واقعا لكنه قدم وأخر لتشتبه رؤوس الآي. واختلف الناس في الأجل فيحتمل أن يريد يوم القيامة والعذاب المتوعد به على هذا هو عذاب جهنم، ويحتمل أن يريد ب «الأجل» موت كل واحد منهم فالعذاب على هذا هو ما يلقى في قبره وما بعده، ويحتمل أن يريد بالآجال يوم بدر فالعذاب على هذا هو قتلهم بالسيف وبكل احتمال مما ذكرناه، قالت فرقة، وفي صحيح البخاري، أن يوم بدر وهو اللزام وهو البطشة الكبرى، ثم أمره تعالى بالصبر على أقوالهم إنه ساحر وإنه كاهن وإنه كذاب إلى غير ذلك، والمعنى لا تحفل بهم فإنهم مدركة الهلكة وكون اللزام يوم بدر أبلغ في آيات نبينا عليه السلام وقوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قال أكثر المتأولين هذه إشارة إلى الصلوات

<<  <  ج: ص:  >  >>