للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كل عيب ونقص ومعصية. وقرأ «دمت» بضم الدال عاصم وجماعة، وقرأ «دمت» بكسرها أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو وجماعة، وقرأ الجمهور «وبرا» بفتح الباء وهو الكثير البر ونصبه على قوله مُبارَكاً، وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز وجماعة «برا» بكسر الباء فقال بعضها نصبه على العطف على قوله مُبارَكاً فكأنه قال وذا بر فاتصف بالمصدر كعدل ونحوه، وقال بعضها نصبه بقوله وَأَوْصانِي أي «وأوصاني برا بوالدتي» حذف الجار كأنه يريد «وأوصاني ببر والدتي» . وحكى الزهراوي هذه القراءة «وبرّ» بالخفض عطفا على الزَّكاةِ، وقوله بِوالِدَتِي بيان لأنه لا والد له، وبهذا القول برأها قومها. و «الجبار» المتعظم وهي خلق مقرونة بالشقاء لأنها مناقضة لجميع الناس فلا يلقى صاحبها من أحد إلا مكروها، وكان عيسى عليه السلام في غاية التواضع، يأكل الشجر ويلبس الشعر ويجلس على التراب ويأوي حيث جنه الليل لا مسكن له. قال قتادة وكان يقول: سلوني فإن لين القلب صغير في نفسي. وقد تقدم ذكر تسليمه على نفسه وإذلاله في ذلك، وذكر المواطن التي خصها لأنها أوقات حاجة الإنسان إلى رحمة الله. وقال مالك بن أنس رضي الله عنه في هذه الآية: ما أشدها على أهل القدر أخبر عيسى بما قضي من أمره وبما هو كائن إلى أن يموت.

وفي قصص هذه الآية عن ابن زيد وغيره أنهم لما سمعوا كلام عيسى أذعنوا وقالوا إن هذا الأمر عظيم.

وروي أن عيسى عليه السلام إنما تكلم في طفولته بهذه الآية ثم عاد إلى حالة الأطفال حتى مشى على عادة البشر. وقالت فرقة: إن عيسى كان أوتي الكتاب وهو في ذلك السن وكان يصوم ويصلي وهذا في غاية الضعف مصرح بجهالة قائله.

قوله عز وجل:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٣٤ الى ٣٦]

ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦)

المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى ذلِكَ الذي منه قصة عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وإنما قدرنا في الكلام قل يا محمد لأنه يجيء في الآية بعد، «وأن الله ربي وربكم» هذه مقالة بشر وليس يقتضي ظاهر الآية قائلا من البشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يحتمل أن يكون قوله ذلِكَ عِيسَى إلى قوله فَيَكُونُ إخبارا لمحمد اعتراضا أثناء كلام عيسى، ويكون قوله «وأن» بفتح الألف عطفا على قوله الْكِتابَ [مريم: ٣٠] . وقد قال وهب بن منبه: عهد عيسى إليهم «أن الله ربي وربكم» ، ومن كسر الألف عطف على قوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مريم: ٣٠] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي وعامة الناس «قول الحق» برفع القول على معنى هذا قول الحق. وقرأ عاصم وابن عامر وابن أبي إسحاق «قول الحق» بنصب القول على المصدر. قال أبو عبد الرحمن المقري: كان يجالسني ضرير ثقة فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقرأ «قول الحق» نصبا، قال أبو عبد الرحمن: وكنت أقرأ بالرفع فجنبت فصرت أقرأ بهما جميعا. وقرأ عبد الله بن مسعود «قال الله» بمعنى كلمة الله، وقرأ عيسى «قال الحق» ، وقرأ نافع والجمهور «يمترون» بالياء على الكناية عنهم، وقرأ نافع أيضا وأبو عبد الرحمن وداود بن أبي هند «تمترون» بالتاء على الخطاب لهم، والمعنى تختلفون أيها اليهود والنصارى فيقول

<<  <  ج: ص:  >  >>