للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العبارة، والكل من عند الله تعالى، وقوله يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ تعديد للنعمة في الرزق، وقال أبو بكر الوراق في كتاب الثعلبي يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب، كما قال النبي عليه السلام «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين، وأسند إبراهيم المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله عز وجل. وهذا حسن الأدب في العبارة والكل من عند الله تعالى، وهذا كقول الخضر عليه السلام: أن فأردت ها أن عيبها. وقال جعفر الصادق إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة، وقرأ الجمهور هذه الأفعال «يهدين» بغير ياء، وقرأ نافع وابن أبي إسحاق «يهدين» ، وكذلك ما بعده وأوقف عليه السلام نفسه على الطمع في المغفرة وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته، وقوله خَطِيئَتِي، ذهب فيه أكثر المفسرين إلى أنه أراد كذباته الثلاث، قوله هي أختي في شأن سارة، وقوله إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ [الأنبياء: ٦٣] ، وقالت فرقة أراد ب «الخطيئة» اسم الجنس فدعا في كل أمره من غير تعيين.

قال القاضي أبو محمد: وهذا أظهر عندي لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعارض، وهي وإن كانت كذبات بحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات، وبحكم ما في حديث الشفاعة من قوله في شأن إبراهيم نفسي نفسي فهي في مصالح وعون شرع وحق، وقرأ الجمهور «خطيئتي» بالإفراد، وقرأ الحسن «خطاياي» بالجمع، و «الحكم» الذي دعا فيه إبراهيم هو الحكمة والنبوة، ودعاء إبراهيم في مثل هذا هو في معنى التثبيت والدوام. و «لسان الصدق» في الآخرين هو الثناء وخلد المكانة بإجماع من المفسرين، وكذلك أجاب الله دعوته، فكل ملة تتمسك به وتعظيمه وهو على الحنيفية التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، قال مكي وقيل معنى سؤاله أن يكون من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق فأجيبت الدعوة في محمد صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا معنى حسن إلا أن لفظ الآية لا يعطيه إلا بتحكم على اللفظ، واستغفاره لأبيه في هذه الآية هو قبل أن تبين له بموته على الكفر أنه عدو لله، أي محتوم عليه وهو عن الموعدة المذكورة في غير هذه الآية، وفي قراءة أبي بن كعب «واغفر لي ولأبوي إنهما كانا من الضالين» .

قوله عز وجل:

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٨٨ الى ٩٥]

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١) وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢)

مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥)

يَوْمَ بدل من الأولى في قوله يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشعراء: ٨٧] والمعنى يوم لا ينفع إعلاق بالدنيا ومحاسنها فقصد من ذلك العظم والأكثر لأن المال والبنين هي زينة الحياة الدنيا، وقوله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ معناه خالص من الشرك والمعاصي، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين، قال سفيان هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره.

قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي عموم اللفظة، ولكن السليم من الشرك هو الأهم، وقال الجنيد

<<  <  ج: ص:  >  >>