للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفضالا منه ونعمة، وأن محكمه وبينه الذي لا اعتراض فيه هو معظمه والغالب عليه، وأن متشابه الذي يحتمل التأويل ويحتاج إلى التفهم هو أقله. ثم إن أهل الزيغ يتركون المحكم الذي فيه غنيتهم ويتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة وأن يفسدوا ذات البين ويردوا الناس إلى زيغهم، فهكذا تتوجه المذمة عليهم، وأُخَرُ جمع أخرى لا ينصرف لأنه صفة، وعدل عن الألف واللام في أنه يثنى ويجمع، وصفات التفضيل كلها إذا عريت عن الألف واللام لم تثن ولم تجمع كأفضل وما جرى مجراه، ولا يفاضل بهذه الصفات بين شيئين إلا وهي منكرة، ومتى دخلت عليه الألف واللام زال معنى التفضيل بين أمرين، وليس عدل أُخَرُ عن الألف واللام مؤثرا في التعريف كما هو عدل- سحر- بل أخر نكرة، وأما سحر فعدل بأنه زالت الألف واللام وبقي معرفة في قوله، جئت يوم الجمعة سحر، وخلط المهدوي في هذه المسألة وأفسد كلام سيبويه فتأمله.

قوله تعالى:

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٧]]

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧)

قوله تعالى: الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ يعم كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل صاحب بدعة، والزيغ الميل، ومنه زاغت الشمس، وزاغت الأبصار، والإشارة بالآية في ذلك الوقت كانت إلى نصارى نجران لتعرضهم للقرآن في أمر عيسى عليه السلام، قاله الربيع، وإلى اليهود، ثم تنسحب على كل ذي بدعة أو كفر، وبالميل عن الهدى فسر الزيغ محمد بن جعفر بن الزبير وابن مسعود وجماعة من الصحابة ومجاهد وغيرهم، وما تَشابَهَ مِنْهُ هو الموصوف آنفا- بمتشابهات- وقال قتادة في تفسير قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ: إن لم يكونوا الحرورية وأنواع الخوارج، فلا أدري من هم؟ وقالت عائشة: إذا رأيتم الذين يجادلون في القرآن فهم الذي عنى الله فاحذروهم، وقال الطبري: الأشبه أن تكون الآية في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدته ومدة أمته بسبب حروف أوائل السور، وهؤلاء هم اليهود، وابْتِغاءَ نصب على المفعول من أجله، ومعناه طلب الفتنة، وقال الربيع: الْفِتْنَةِ هنا الشرك، وقال مجاهد: الْفِتْنَةِ الشبهات واللبس على المؤمنين، ثم قال: وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ والتأويل هو مرد الكلام ومرجعه والشيء الذي يقف عليه من المعاني، وهو من آل يؤول، إذا رجع، فالمعنى وطلب تأويله على منازعهم الفاسدة. هذا فيما له تأويل حسن وإن كان مما لا يتأول بل يوقف فيه كالكلام في معنى الروح ونحوه، فنفس طلب تأويله هو اتباع ما تشابه. وقال ابن عباس: ابتغوا معرفة مدة محمد صلى الله عليه وسلم النبي عليه السلام وأمته، ثم قال: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ فهذا على الكمال والتوفية فيما لا يتأول ولا سبيل لأحد إليه كأمر الروح وتعرف وقت قيام الساعة وسائر الأحداث التي أنذر بها الشرع، وفيما يمكن أن يتأوله العلماء ويصح التطرق إليه، فمعنى الآية: وما يعلم تأويله على الكمال إلا الله.

واختلف العلماء في قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فرأت فرقة، أن رفع وَالرَّاسِخُونَ هو

<<  <  ج: ص:  >  >>