زيد بن ثابت بكسر الذال وكذلك في سورة آل عمران وحكى أبو حاتم عن أبان بن عثمان أنه قرأ «ذرية» بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة، وحكى عنه أبو الزناد أنه قرأ على المنبر «ذرية» بفتح الذال وسكون الراء على وزن فعلة، قال فسألته فقال أقرأنيها زيد بن ثابت، ومِنْ في قوله مِنْ ذُرِّيَّةِ للتبعيض وذهب الطبري إلى أنها بمعنى قولك أخذت من ثوبي دينارا بمعنى عنه وعوضه وتُوعَدُونَ مأخوذ من الوعيد بقرينة وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ والإشارة إلى هذا الوعيد المتقدم خصوصا. وأما أن يكون العموم مطلقا فذلك يتضمن إنفاذ الوعيد، والعقائد ترد ذلك، وبِمُعْجِزِينَ معناه بناجين هربا أي يعجزون طالبهم.
ثم أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يتوعدهم بقوله اعْمَلُوا أي فسترون عاقبة عملكم الفاسد، وصيغة افعل هاهنا بمعنى الوعيد والتهديد، وعَلى مَكانَتِكُمْ معناه على حالكم وطريقتكم، وقرأ أبو بكر عن عاصم «على مكاناتكم» بجمع المكانة في كل القرآن، وقرأ الجميع بالإفراد في كل القرآن، ومَنْ يتوجه أن يكون بمعنى الذي، فتكون في موضع نصب ب تَعْلَمُونَ، ويتوجه أن يكون استفهاما في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله تَكُونُ لَهُ، وعاقِبَةُ الدَّارِ أي مآل الآخرة، ويحتمل أن يراد مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب، ثم جزم الحكم ب إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ أي ينجح سعيهم، وقرأ حمزة والكسائي من «يكون له عاقبة» بالياء هاهنا وفي القصص على تذكير معنى العاقبة.
الضمير في جَعَلُوا عائد على كفار العرب العادلين بربهم الأوثان الذين تقدم الرد عليهم من أول السورة، وذَرَأَ معناه خلق وأنشأ وبث في الأرض، يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا وذروءا أي خلقهم، وقوله وجعلوا من كذا وكذا نصيبا يتضمن بقاء نصيب آخر ليس بداخل في حكم الأول، فبينه بقوله:
فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا، ثم اعترضهم أثناء القول بأن ذلك زعم وتقول، والزعم في كثير كلام العرب أقرب إلى غير اليقين والحق، يقال «زعم» بفتح الزاي وبه قرأت الجماعة، «وزعم» بضمها، وقرأ الكسائي وحده في هذه الآية «زعم» بكسر الزاي، ولا أحفظ أحدا قرأ به والْحَرْثِ في هذه الآية يريد به الزرع والأشجار وما يكون من الأرض، وقوله لِشُرَكائِنا يريد به الأصنام والأوثان، وسموهم شركاء على معتقدهم فيهم أنهم بساهمونهم في الخير والشر ويكسبونهم ذلك، وسبب نزول هذه الآية أن العرب كانت تجعل من غلّاتها وزرعها وثمارها ومن أنعامها جزءا تسميه لله وجزءا تسميه لأصنامها، وكانت عادتها التحفي والاهتبال بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر وليس ذلك بالله فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلى الذي لشركائهم أقروه، وإذا حملت من الذي لشركائهم إلى الله ردوه، وإذا تفجر من سقي ما جعلوا لله في نصيب شركائهم تركوه، وإن بالعكس سدوه،