للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة ولا يحتاج معها إلى تفريق حاكم وابن أبي صفرة هذا ليس بعيد يزاحم به الجمهور. ومذهب الشافعي أن الفرقة حاصلة إثر لعان الزوج وحده، وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تفريق إلا بحكم السلطان بعد لعانهما، فإن مات أحدهما بعد تمام لعانهما وقبل حكم القاضي ورثه الآخر، ومذهب المدونة أن اللعان حكم تفريقه حكم الطلاق ويعطى لغير المدخول بها نفس الصداق، وفي مختصر ابن الجلاب لا شيء لها وهذا على أن تفريق اللعان فسخ، وقال ابن القصار تفريق اللعان عندنا فسخ وتحريم اللعان أبدي بإجماع فيما أحفظ من مذهب مالك رحمه الله، ومن فقهاء الكوفة وغيرهم من لا يراه متأبدا، وإن أكذب نفسه بعد اللعان لم ينتفع بذلك، وروي عن عبد العزيز بن أبي سلمة أنه إن أكذب نفسه بعد اللعان كان خاطبا من الخطاب، وإن تقدمت المرأة في اللعان فقال ابن القاسم لا تعيد، وقال أشهب تعيد، والجواب في قوله وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ الآية محذوف تقديره لكشف الزناة بأيسر من هذا، ولأخذهم بعذاب من عنده، أو نحو هذا من المعاني التي أوجب تقديرها إبهام الجواب.

قوله عز وجل:

[[سورة النور (٢٤) : آية ١١]]

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (١١)

هذه الآية وما بعدها إلى ست عشرة آية أنزلت في عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وما اتصل بذلك من أمر «الإفك» ، وفي البخاري في غزوة بني المصطلق عن عائشة قالت وأنزل الله العشر الآيات ثم أنزل الله ما قرىء في براءتي فكأنها عدت ما تختص بها. و «الإفك» الزور والكذب، والأفاك الكذاب، و «الإفك» قلب الحقيقة عن حالها بالأقوال وصرفها عن جهة الصواب وبذلك شبه الكذب واختصار حديث «الإفك» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بعائشة في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع قال ابن إسحاق كانت سنة ست، وقال ابن عقبة كانت سنة أربع فضاع لها هناك عقد، فلما انصرفت إلى الرحل شعرت بضياعه وجعلت تطلبه، وسار الناس يومئذ فوجدته وانصرفت فلم تجد أحدا، وكانت شابة قليلة اللحم رفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها منه فلما لم تجد أحدا اضطجعت في مكانها رجاء أن تفتقد فيرجع عنها فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل إنا لله وإنا إليه راجعون، وذلك أنه تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة وقيل اتفاقا فلما مر بسوادها قرب منها فعرفها، فاسترجع وقال ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفت هاهنا، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة فوقع أهل «الإفك» في مقالتهم وكل الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، هذا اختصار الحديث وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم وهو في مسلم أكمل وكان صفوان صاحب ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته وكان من خيار الصحابة قال لما سمع ما قال الناس فيه: سبحان الله والله ما كشفت كنف أنثى قط.

<<  <  ج: ص:  >  >>