للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفقيه الإمام القاضي: لا سيما وأن الخفيفة على قراءة نافع في قوله «أن غضب» قد وليها الفعل، قال أبو علي وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلا أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله تعالى عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ [المزمل: ٢٠] وقوله: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ [طه: ٨٩] وأما قوله تعالى

: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: ٣٩] فذلك لقلة تمكن ليس في الأفعال وأما قوله: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ [النمل: ٨] ف بُورِكَ على معنى الدعاء فلم يجز دخول الفاصل لئلا يفسد المعنى. و «العذاب المدرأ» في قول جمهور العلماء الحد وحكى الطبري عن آخرين أنه الحبس وهو قول أصحاب الرأي وأنه لا حد عليها إن لم تلاعن وليس يوجبه عليها قول الزوج.

قال الفقيه الإمام القاضي: وظاهر حديث الموقفة في الخامسة حين تلكأت ثم مرت في لعانها أنها كانت تحد لقول النبي عليه السلام لها فعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة وجعلت «اللعنة» للرجل الكاذب لأنه مفتر مباهت بالقول فأبعد باللعنة وجعل «الغضب» الذي هو أشد على المرأة التي باشرت المعصية بالفعل ثم كذبت وباهتت بالقول فهذا معنى هذه الألفاظ والله أعلم.

قال الفقيه الإمام القاضي: ولا بد أن نذكر في تفسير هذه الآية ما يتعلق بها من مسائل اللعان إذ لا يستغنى عنها في معرفة حكمه وحيث يجب، أجمع مالك وأصحابه على وجوب اللعان بادعاء رؤية زنى لا وطء من الزوج بعده، وكذلك مشهور المذهب، وقول مالك إن اللعان يجب بنفي حمل يدعى قبله استبراء، وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة: لا ينفى الولد بالاستبراء لأن الحيض يأتي على الحمل، وقاله أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة، وقال لا ينفى الولد إلا بخمس سنين، واختلف المذهب في أن يقذف الرجل أو ينفي حملا ولا يعلل ذلك لا برؤية ولا باستبراء، فجل رواة مالك لا يوجب لعانا بل يحد الزوج، وقاله ابن القاسم وروي عنه أيضا أنه قال يلاعن ولا يسأل عن شيء، واختلف بعد القول بالاستبراء في قدر الاستبراء، فقال مالك والمغيرة في أحد قوليه يجزىء في ذلك حيضة. وقال أيضا مالك لا ينفعه إلا ثلاث حيض، وأما موضع اللعان ففي المسجد وعند الحاكم والمستحب أن يكون في المسجد بحضرة الحاكم، وكذلك يستحب بعد العصر تغليظا بالوقت وكل وقت مجز، ومن قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا هو لدفع الحد وهي لدرء العذاب، وإن كانت صغيرة لا تحمل لا عن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء، وقال ابن الماجشون لا حد على قاذف من لم يبلغ، قال اللخمي فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل، والمستحب من ألفاظ اللعان أن يمشي مع ترتيب القرآن ولفظه فيقول الزوج أشهد بالله لرأيت هذه المرأة تزني وإني في ذلك لمن الصادقين، ثم يقول في الخامسة لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، وقال أصبغ لا بد أن يقول كالمرود في المكحلة، وقيل لا يلزمه ذلك وكذلك يقول أشهب لا بد أن يقول بالله الذي لا إله إلا هو، وأما في لعان نفي الحمل فقيل يقول الرجل ما هذا الولد مني ولزنت، وقال ابن القاسم في الموازنة: لا يقول وزنت من حيث يمكن أن تغصب، وتقول المرأة أشهد بالله ما زنيت وإنه في ذلك لمن الكاذبين، ثم تقول غضب الله علي إن كان من الصادقين فإن منع جهلهما من ترتيب هذه الألفاظ وأتيا بما في معناها أجزأ ذلك، وحكى اللخمي عن محمد بن أبي صفرة أنه قال اللعان لا يرفع العصمة لقول عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها قال: فأحدث طلاقا،

<<  <  ج: ص:  >  >>