الشهوات واستعمال الطيبات، ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: أتظنون أنا لا نعرف طيب الطعام، ذلك لباب البر بصغار المعزى، ولكني رأيت الله تعالى نعى على قوم أنهم أذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا، ذكر هذا في كلامه مع الربيع بن زياد. وقال أيضا نحو هذا لخالد بن الوليد حين دخل الشام فقدم إليه طعام طيب، فقال عمر: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا ولم يشبعوا من خبز الشعير؟ فقال خالد: لهم الجنة، فبكى عمر وقال: لئن كان حظنا في الحطام وذهبوا بالجنة لقد باينونا بونا بعيدا. وقال جابر بن عبد الله: اشتريت لحما بدرهم فرآني عمر، فقال: أو كلما اشتهى أحدكم شيئا اشتراه فأكله؟ أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية، وتلا: أَذْهَبْتُمْ الآية.
وعَذابَ الْهُونِ: العذاب الذي اقترن به هوان، وهذا هو عذاب العصاة المواقعين ما قد نهوا عنه، وهذا بين في عذاب الدنيا، فعذاب المحدود في معصية كالحرابة ونحوها مقترن بهون، وعذاب المقتول في حرب لا هون معه، فالهون والهوان بمعنى؟!.
ثم أمر تعالى نبيه بذكر هود وقومه عاد على جهة المثال لقريش، وهذه الإخوة هي أخوة القرابة، لأن هودا كان من أشراف القبيلة التي هي عاد.
واختلف الناس في هذه «الأحقاف» أين كانت؟ فقال ابن عباس والضحاك: هي جبل بالشام، وقيل كانت بلاد نخيل، وقيل هي الرمال بين مهرة وعدن. وقال ابن عباس أيضا: بين عمان ومهرة. وقال قتادة:
هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني. وقال ابن إسحاق: هي بين حضر موت وعمان، والصحيح من الأقوال: أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد. و «الأحقاف» : جمع حقف، وهو الجبل المستطيل والمعوجّ من الرمل. (قال الخليل: هي الرمال الأحقاف) وكثيرا ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى، لأن الريح تصنع ذلك.
وقوله تعالى: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود، لأن قوله: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ هو من نذارة هود. و: خَلَتِ معناه: مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها. وفي مصحف عبد الله:«وقد خلت النذر من قبله وبعده» . وروي أن فيه:«وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده» . والنُّذُرُ: جمع نذير بناء اسم فاعل. وقولهم: لِتَأْفِكَنا معناه: لتصرفنا. وقولهم:
فَأْتِنا بِما تَعِدُنا تصميم على التكذيب وتعجيز منهم له في زعمهم.