للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٩ الى ٨٠]

الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)

قوله الَّذِينَ يَلْمِزُونَ رد على الضمائر في قول يَكْذِبُونَ [التوبة: ٧٧] وأَ لَمْ يَعْلَمُوا [التوبة: ٧٨] وسِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ [التوبة: ٧٨] ويَلْمِزُونَ معناه ينالون بألسنتهم، وقرأ السبعة «يلمزون» بكسر الميم، وقرأ الحسن وأبو رجاء ويعقوب وابن كثير فيما روي عنه «يلمزون» بضم الميم، والْمُطَّوِّعِينَ لفظة عموم في كل متصدق، والمراد به الخصوص فيمن تصدق بكثير دل على ذلك قوله، عطفا على الْمُطَّوِّعِينَ، وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ، ولو كان الَّذِينَ لا يَجِدُونَ قد دخلوا في الْمُطَّوِّعِينَ لما ساغ عطف الشيء على نفسه، وهذا قول أبي على الفارسي في قوله عز وجل: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: ٩٨] فإنه قال المراد بالملائكة من عدا هذين.

وكذلك قال في قوله: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن: ٦٨] وفي هذا كله نظر، لأن التكرار لقصد التشريف يسوغ هذا مع تجوز العرب في كلامها، وأصل الْمُطَّوِّعِينَ المتطوعين فأبدل التاء طاء وأدغم، وأما المتصدق بكثير الذي كان سببا للآية فأكثر الروايات أنه عبد الرحمن بن عوف، تصدق بأربعة آلاف وأمسك مثلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم، بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أنفقت.

وقيل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه تصدق بنصف ماله، وقيل عاصم بن عدي تصدق بمائة وسق، وأما المتصدق بقليل فهو أبو عقيل حبحاب الأراشي، تصدق بصاع من تمر وقال يا رسول الله جررت البارحة بالجرير وأخذت صاعين تركت أحدهما لعيالي وأتيت بالآخر صدقة.

فقال المنافقون: الله غني عن صدقة هذا، وقال بعضهم: إن الله غني عن صاع أبي عقيل، وقيل: إن الذي لمز في القليل أبو خيثمة، قاله كعب بن مالك صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، وقيل بأربعمائة أوقية من فضة، وقيل أقل من هذا.

فقال المنافقون: ما هذا إلا رياء، فنزلت الآية في هذا كله، وقوله: فَيَسْخَرُونَ معناه يستهزئون ويستخفون، وهو معطوف على يَلْمِزُونَ، واعترض ذلك بأن المعطوف على الصلة فهو من الصلة وقد دخل بين هذا المعطوف والمعطوف عليه قوله وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ، وهذا لا يلزم، لأن قوله وَالَّذِينَ معمول للذي عمل في الْمُطَّوِّعِينَ فهو بمنزلة قوله جاءني الذي ضرب زيدا وعمرا فقتلهما، وقوله:

سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ تسمية العقوبة باسم الذنب وهي عبارة عما حل بهم من المقت والذل في نفوسهم، وقوله: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ معناه مؤلم، وهي آية وعيد محض، وقرأ جمهور «جهدهم» بضم الجيم، وقرأ

<<  <  ج: ص:  >  >>