إِذْ يحتمل أن تكون ظرفا لتسطير الأحكام المتقدمة في الكتاب، كأنه قال كانت هذه الأحكام مسطرة ملقاة إلى الأنبياء إذ أخذنا عليهم الميثاق في التبليغ والشرائع، فتكون إِذْ متعلقة بقوله كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً، [الأحزاب: ٦] ، ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل تقديره واذكر إذ، وهذا التأويل أبين من الأول، وهذا «الميثاق» المشار إليه قال الزجاج وغيره إنه الذي أخذ عليهم وقت استخراج البشر من صلب آدم كالذر، قالوا فأخذ الله تعالى حينئذ ميثاق النبيين بالتبليغ وبتصديق بعضهم بعضا وبجميع ما تتضمنه النبوءة، وروي نحوه عن أبيّ بن كعب، وقالت فرقة بل أشار إلى أخذ الميثاق على كل واحد منهم عند بعثه وإلى إلقاء الرسالة إليه وأوامرها ومعتقداتها، وذكر الله تعالى النَّبِيِّينَ جملة، ثم خصص بالذكر أفرادا منهم تشريفا وتخصيصا، إذ هؤلاء الخمسة صلى الله عليهم هم أصحاب الكتب والشرائع والحروب الفاصلة على التوحيد وأولو العزم، ذكره الثعلبي، وقدم ذكر محمد على مرتبته في الزمن تشريفا خاصا له أيضا، وروي عنه عليه السلام أنه قال:«كنت أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث» ، وكرر «أخذ الميثاق» لمكان الصفة التي وصف بها قوله غَلِيظاً إشعار بحرمة هذا الميثاق وقوتها، واللام في قوله لِيَسْئَلَ متعلقة ب أَخَذْنا، ويحتمل أن تكون لام كي، أي بعثت الرسل وأخذت عليها المواثيق في التبليغ لكي يجعل الله خلقه فرقتين، فرقة صادقة يسألها عن صدقها على معنى إقامة الحجة والتقرير كما قال لعيسى عليه السلام «أأنت قلت للناس» فتجيبه بأنها قد صدقت الله في إيمانها وجميع أفعالها فيثيبها على ذلك، وفرقة كفرت فينالها ما أعد لها من العذاب الأليم ويحتمل أن تكون اللام في قوله لِيَسْئَلَ لام الصيرورة، أي أخذ المواثيق على الأنبياء ليصير الأمر إلى كذا والأول أصوب، والصدق في هذه الآية يحتمل أن يكون المضاد للكذب في القول، ويحتمل أن يكون من صدق الأفعال واستقامتها، ومنه عود صدق وصدقني السيف والمال، وقال مجاهد الصَّادِقِينَ في هذه الآية أراد بهم الرسل، أي يسألهم عن تبليغهم، وقال أيضا أراد المؤدين المبلغين عن الرسل وهذا كله محتمل، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الآيات إلى قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ [الأحزاب: ٢٨] .
نزلت في شأن غزوة الخندق وما اتصل بها من أمر بني قريظة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى بني النضير من موضعهم عند المدينة إلى خيبر، فاجتمعت جماعة منهم ومن غيرهم من اليهود، وخرجوا إلى مكة مستنهضين قريشا إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرضوهم على ذلك، وأجمعت قريش السير إلى المدينة، ونهض اليهود إلى غطفان وبني أسد ومن أمكنهم من أهل نجد وتهامة، فاستنفروهم إلى ذلك، فتحزب الناس وساروا إلى المدينة، واتصل الخبر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر الخندق حول ديار بالمدينة وحصنه، وكان أمرا لم تعهده العرب، وإنما كان من أعمال فارس والروم، وأشار به سلمان الفارسي رضي الله عنه، فورد الأحزاب من قريش وكنانة والأحابيش في نحو عشرة آلاف