للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روي عنه فتح الراء مع شدها، وقرأ نافع وحده «مفرطون» بكسر الراء وخفتها، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي رجاء وشيبة بن نصاح وأكثر أهل المدينة، أي يتجاوزون الحد في معاصي الله عز وجل.

قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٣ الى ٦٦]

تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦)

هذه آية ضرب مثل لهم بمن تقدم وفي ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله الْيَوْمَ يحتمل أن يريد يوم الإخبار بهذه الآية، وهو بعد موت أولئك الأمم المذكورة، أي لا ولي لهم منذ ماتوا واحتاجوا إلى الغوث إلا الشيطان، ويحتمل أن يريد يوم القيامة، والألف واللام فيه للعهد، أي «هو وليهم» في «اليوم» المشهور وهو وقت الحاجة والفصل، ويحتمل أن يريد فَهُوَ وَلِيُّهُمُ مدة حياتهم، ثم انقطعت ولايته بموتهم، وعبر عن ذلك بقوله الْيَوْمَ تمثيلا للمخاطبين بمدة حياتهم، كما تقول لرجل شاب تحضه على طلب العلم: يا فلان لا يدرس أحد من الناس إلا اليوم، تريد في مثل سنك هذه. فكأنه قال لهؤلاء: فَهُوَ وَلِيُّهُمُ في مثل حياتكم هذه، وهي التي كانت لهم، وسائر الآية وعيد، وقوله وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يريد القرآن، وقوله لِتُبَيِّنَ لَهُمُ في موضع المفعول من أجله، وقوله وَهُدىً وَرَحْمَةً عطف عليه، كأنه قال إلا للبيان أي لأجل البيان لهم، وقوله الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ لفظ عام لأنواع كفر الكفرة من الجحد بالله تعالى، أو بالقيامة، أو بالنبوءات، أو غير ذلك، ولكن الإشارة في هذه الآية إنما هي لجحدهم الربوبية وتشريكهم الأصنام في الألوهية، يدل على ذلك أخذه بعد هذا في إثبات العبر الدالة على أن الأنعم وسائر الأفعال إنما هي من الله تعالى، لا من الأصنام. وقوله تعالى وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً الآية، لما أمره بتبيين ما اختلف فيه، نص العبر المؤدية إلى تبيين أمر الربوبية، فبدأ بنعمة المطر التي هي أبين العبر، وهي ملاك الحياة، وهي في غاية الظهور لا يخالف فيها عاقل، و «حياة الأرض وموتها» استعارة وتشبيه بالحيوان، فإذ هي هامدة غبراء غير منبتة فهي كالميت، وإذ هي منبتة مخضرة مهتزة رابية فهي كالحي، وقوله يَسْمَعُونَ يدل على ظهور هذا المعتبر فيه وبيانه، لأنه لا يحتاج إلى تفكر ولا نظر قلب، وإنما يحتاج المنبه إلى أن يسمع القول فقط، والْأَنْعامِ هي الأصناف الأربعة: الإبل والبقر والضأن والمعز، و «العبرة» الحال المعتبر فيها، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وابن مسعود بخلاف والحسن وأهل المدينة «نسقيكم» بفتح النون من سقى يسقي، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم «نسقيكم» بضم النون من أسقى يسقي، وهي قراءة الكوفيين وأهل مكة، قال بعض أهل اللغة، هما لغتان بمعنى واحد، وقالت فرقة: تقول لمن تسقيه بالشفة أو في مرة واحدة سقيته وتقول لمن تعدّ سقيه أو تمنحه

<<  <  ج: ص:  >  >>