بظلمهم في كفرهم ومعاصيهم لكان ذلك العقاب يهلك منه جميع ما يدب على الأرض من حيوان فكأنه بالقحوط أو بأمر يصيبهم من الله تعالى، وعلى هذا التأويل قال بعض العلماء: كاد الجعل أن يهلك بذنوب بني آدم، ذكره الطبري، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تعالى ليهزل الحوت في الماء والطير في الهواء بذنوب العصاة» ، وسمع أبو هريرة رجلا يقول: إن الظالم لا يهلك إلا نفسه، فقال أبو هريرة: بلى إن الله ليهلك الحبارى في وكرها هزلا بذنوب الظلمة، وقد نطقت الشريعة في أخبارها بأن الله تعالى أهلك الأمم بريها وعاصيها بذنوب العصاة منهم، وقالت فرقة: قوله: مِنْ دَابَّةٍ، يريد من أولئك الظلمة فقط، ويدل على هذا التخصيص، أن الله لا يعاقب أحدا بذنب أحد، واحتجت بقول الله تعالى وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] وهذا معنى آخر، وذلك أن الله تعالى لا يجعل العقوبة تقصد أحدا بسبب إذناب غيره، ولكن إذا أرسل عذابا على أمة عاصية، لم يمكن البري التخليص من ذلك العذاب، فأصابه العذاب لا بأنه له مجازاة، ونحو هذا قوله وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: ٢٥] وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال «نعم إذا كثر الخبث» ، ثم لا بد من تعلق ظلم ما بالأبرياء، وذلك بترك التغيير ومداهنة أهل الظلم ومداومة جوارهم، و «الأجل المسمى» في هذه الآية هو بحسب شخص شخص، وفي معنى الآية مع أمائرها اختصار وإيجاز، وقوله ما يَكْرَهُونَ يريد البنات، وما في هذا الموضع تقع لمن يعقل من حيث هو صنف وقرأ الحسن «ألسنتهم الكذب» بسكون النون كراهية توالي الحركات، وقرأ الجمهور «الكذب» بكسر الذال، ف أَنَّ بدل منه، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام «الكذب» بضم الكاف والذال والباء على صفة الألسنة، وأَنَّ لَهُمُ مفعول ب تَصِفُ، والْحُسْنى قال مجاهد وقتادة: الذكور من الأولاد، وهو الأسبق من معنى الآية، وقالت فرقة يريد الجنة.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا قوله لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ ومعنى الآية على هذا التأويل يجعلون لله المكروه ويدعون مع ذلك أنهم يدخلون الجنة، كما تقول لرجل أنت تعصي الله، وتقول مع ذلك أنت تنجو، أي هذا بعيد مع هذا، ثم حكم عليهم بعد ذلك بالنار، وقد تقدم القول في لا جَرَمَ، وقرأ الجمهور «أن لهم» بفتح الهمزة، وإعرابها بحسب تقدير جَرَمَ، فمن قدرها بكسب فعلهم فهو نصب، ومن قدرها يوجب فهو رفع، وقرأ الحسن وعيسى بن عمران «إن لهم» بكسر الهمزة وقرأ السبعة سوى نافع «مفرطون» بفتح الراء وخفتها، ومعناه مقدمون إلى النار والعذاب، وهي قراءة الحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس، وقد رويت عن نافع، وهو مأخوذ من فرط الماء وهم القوم الذين يتقدمون إلى المياه لإصلاح الدلاء والأرشية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم «أنا فرطكم على الحوض» ومنه قول القطامي:
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ... كما تعجل فرّاط لورّاد
وقالت فرقة: مُفْرَطُونَ معناه مخلفون متركون في النار منسيون فيها، قاله سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي هند، وقال آخرون مُفْرَطُونَ معناه مبعدون في النار، وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «مفرّطون» بكسر الراء وتشديدها وفتح الفاء، ومعناه مقصرون في طاعة الله تعالى، وقد