هذه آيات عبر وتعديد نعم. و: الْأَنْعامَ الأزواج الثمانية. ع و: مِنْها الأولى للتبعيض، لأن المركوب ليس كل الأنعام، بل الإبل خاصة. وَمِنْها الثانية لبيان الجنس، لأن الجميع منها يؤكل. وقال الطبري في هذه الآية: إن الْأَنْعامَ تعم الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وغير ذلك مما ينتفع به في البهائم، ف مِنْها في الموضعين للتبعيض على هذا، لكنه قول ضعيف، وإنما الأنعام: الأزواج الثمانية التي ذكر الله فقط. ثم ذكر تعالى المنافع ذكرا مجملا، لأنها أكثر من أن تحصى.
وقوله تعالى: وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ يريد قطع المهامة الطويلة والمشاق البعيدة.
و: الْفُلْكِ السفن، وهو هنا جمع. و: تُحْمَلُونَ يريد: برا وبحرا. وكرر الحمل عليها، وقد تقدم ذكر ركوبها لأن المعنى مختلف وفي الأمرين تغاير، وذلك أن الركوب هو المتعارف فيما قرب واستعمل في القرى والمواطن نظير الأكل منها وسائر المنافع بها، ثم خصص بعد ذلك السفر الأطول وحوائج الصدور مع البعد والنوى، وهذا هو الحمل الذي قرنه بشبيهه من أمر السفن. ثم ذكر تعالى آياته عامة جامعة لكل عبرة وموضع نظر، وهذا غير منحصر لاتساعه، ولأن في كل شيء له آية تدل على وحدانيته، ثم قررهم على جهة التوبيخ بقوله: أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ
. ثم احتج تعالى على قريش بما يظهر في الأمم السالفة من نقمات الله في الكفرة الذين كانُوا أَكْثَرَ عددا وَأَشَدَّ قُوَّةً أبدان وممالك، وأعظم آثارا في المباني والأفعال من قريش والعرب، فلم يغن عنهم كسبهم ولا حالهم شيئا حين جاءهم عذاب الله وأخذه.
و «ما» في قوله: فَما أَغْنى عَنْهُمْ نافية. قال الطبري: وقيل هي تقرير وتوقيف.
الضمير في: جاءَتْهُمْ عائد على الأمم المذكورين الذين جعلوا مثلا وعبرة. واختلف المفسرون في الضمير في: فَرِحُوا على من يعود، فقال مجاهد وغيره: هو عائد على الأمم المذكورين، أي بما عندهم من العلم في ظنهم ومعتقدهم من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون. قال ابن زيد: واغتروا بعلمهم في الدنيا والمعايش، وظنوا أنه لا آخرة ففرحوا، وهذا كقوله تعالى: يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم: ٧] وقالت فرقة: الضمير في فَرِحُوا عائد على الرسل، وفي هذا الرسل حذف، وتقديره:
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ كذبوهم، ففرح الرسل بما عندهم من العلم بالله والثقة به، وبأنه