وقوله تعالى: فَوَقَعَ الْحَقُّ الآية، «وقع» معناه نزل ووجد، والْحَقُّ يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز واستمر التحدي إلى الدين على جميع العالم، وما كانُوا يَعْمَلُونَ لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
والضمير في قوله فَغُلِبُوا عائد على «جميعهم» من سحرة وسعي فرعون وشيعته، وفي قوله وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم.
وقوله تعالى: وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ الآيات، لما رأى السحرة من عظيم القدرة وما تيقنوا به نبوة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله تعالى فخروا سجدا لله تعالى متطارحين وآمنوا نطقا بألسنتهم، وتبينهم الرب بذكر موسى وهارون زوال عن ربوبية فرعون وما كان يتوهم فيه الجهال من أنه رب الناس، وهارون أخو موسى أسن منه بثلاث سنين، وقول فرعون قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ دليل على وهن أمره لأنه إنما جعل ذنبهم مفارقة الإذن ولم يجعله نفس الإيمان إلا بشرط، وقرأ عاصم في رواية حفص عنه في كل القرآن «آمنتم» على الخبر، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر «آمنتم» بهمزة ومدة على الاستفهام وكذلك في طه والشعراء، وقرأ حمزة والكسائي في الثلاثة المواضيع «أآمنتم» بهمزتين الثانية ممدودة، ورواها الأعمش عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ ابن كثير في رواية أبي الأخريط عنه «وآمنتم» وهي على ألف الاستفهام إلا أنه سهلها واوا فأجرى المنفصل مجرى المتصل في قولهم تودة في تؤدة، وقرأ قنبل عن القواس «وآمنتم» وهي على القراءة بالهمزتين «اآمنتم» إلا أنه سهل ألف الاستفهام واوا وترك ألف أفعلتم على ما هي عليه، والضمير في بِهِ يحتلم أن يعود على اسم الله تعالى، ويحتمل أن يعود على موسى عليه السلام، وعنفهم فرعون على الإيمان قبل إذنه ثم ألزمهم أن هذا كان على اتفاق منهم، وروي في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود: أن موسى اجتمع مع رئيس السحرة واسمه شمعون فقال له موسى: أرأيت إن غلبتكم أتؤمنون بي فقال له نعم، فعلم بذلك فرعون، فلذلك قال إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ ثم قال للسحرة لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ الآية، فرجع فرعون في مقالته هذه إلى الخذلان والغشم وعادة ملوك السوء إذا غولبوا، وقرأ حميد المكي وابن محصن ومجاهد «لأقطعن» بفتح الهمزة والطاء وإسكان القاف، «ولأصلبن» بفتح الهمزة وإسكان الصاد وضم اللام، وروي بكسرها، ومِنْ خِلافٍ معناه يمنى ويسرى.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من هذه الآيات أن فرعون توعد وليس في القرآن نص على أنه أنفذ ذلك وأوقعه، ولكنه روي أنه صلب بعضهم وقطع، قال ابن عباس: فرعون أول من صلب وقطع من خلاف، وقال ابن عباس وغيره فيهم: أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وأما التوعد فلجميعهم.