تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما فيه كفاية، وقرأ الجمهور «غلبت» بضم الغين وقالوا معنى الآية أنه طرأ بمكة أن الملك كسرى هزم جيش ملك الروم قال مجاهد: في الجزيرة وهو موضع بين العراق والشام، وقال عكرمة: وهي بين بلاد العرب والشام، وقال مقاتل: بالأردن وفلسطين، فلما طرأ ذلك سر الكفار فبشر الله عباده بأن الروم سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ وتكون الدولة لهم في الحرب، وقرأ أبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن قرة وعبد الله بن عمر «غلبت» الروم بفتح الغين واللام، وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كان أن الروم غلبت فعز ذلك على كفار قريش وسر المسلمون فبشر الله تعالى عباده بأنهم سَيَغْلِبُونَ أيضا فِي بِضْعِ سِنِينَ، ذكر هذا التأويل أبو حاتم، والرواية الأولى والقراءة بضم الغين أصح، وأجمع الناس على «سيغلبون» أنه بفتح الياء يريد به الروم، وروي عن ابن عمرو أنه قرأ أيضا «سيغلبون» بضم الياء، وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به، وأَدْنَى الْأَرْضِ معناه أقرب الأرض، فإن كانت الوقعة في أذرعات فهي من أَدْنَى الْأَرْضِ بالقياس إلى مكة وهي التي ذكر امرؤ القيس في قوله:[الطويل]
تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال
وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أَدْنَى بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي أَدْنَى إلى أرض الروم، قال أبو حاتم: وقرىء «أداني الأرض» ، وقرأ جمهور الناس «غلبهم» بفتح اللام كما يقال أحلب حلبا لك شطره، وقرأ ابن عمر بسكونها وهما مصدران بمعنى واحد وأضيف إلى المفعول، وروي في قصص هذه الآية عن ابن عباس وغيره أن الكفار لما فرحوا بمكة بغلب الروم بشر الله نبيه والمؤمنين بأن