قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضا ظاهر في أشياء كثيرة. وهو لازم في الاعراض إذا عممنا لفظة شَيْءٍ وكيفما كان الأمر فالقدرة تسعه وتتقنه.
وقوله: نُنَزِّلُهُ ما كان من المطر ونحوه. فالإنزال فيه متمكن، وما كان من غير ذلك فإيجاده والتمكين من الانتفاع به، إنزال على تجوز.
وقرأ الأعمش: «وما نرسله» .
وقوله: بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ روي فيه عن ابن مسعود وغيره: أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، ولكن الله تعالى ينزله في مواضع دون مواضع.
قوله عز وجل:
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٧]
وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦)
وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧)
يقال: لقحت الناقة والشجرة فهي لاقحة: إذا حملت، والرياح تلقح الشجر والسحاب، فالوجه في الريح أنها ملقحة لا لاقحة، وتتجه صفة الرِّياحَ ب لَواقِحَ على أربعة أوجه:
أولها وأولاها: أن نجعلها لاقحة حقيقة، وذلك أن الرياح منها ما فيها عذاب أو حر ونار، ومنها ما فيه رحمة ومطر أو نصر أو غير ذلك، فإذا بها تحمل ما حملتها القدرة، أو ما علقته من الهواء أو التراب أو الماء الذي مرت عليه، فهي لاقحة بهذا الوجه، وإن كانت أيضا تلقح غيرها وتصير إليه نفعها. والعرب تسمي الجنوب الحامل واللاقحة، وتسمي الشمال الحائل والعقيم ومحوة، لأنها تمحو السحاب. وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الريح الجنوب من الجنة، وهي اللواقح التي ذكر الله، وفيها منافع للناس» ومن هذا قول الطرماح:
قلق لا فبان الريا ... ح للاقح منها وحائل
ومن قول أبي وجزة:
من نسل جوابة الآفاق فجعلها حاملا تنسل.
قال القاضي أبو محمد: ويخرج هذا على أنها ملقحة فلا حجة فيه.
والثاني: أن يكون وصفها ب لَواقِحَ من باب قولهم: ليل نائم، أي فيه نوم ومعه، ويوم عاصف ونحوه: فهذا على طريق المجاز.