والثالث: أن توصف الرياح ب لَواقِحَ على جهة النسب، أي ذات لقح، كقول النابغة:
كليني لهم يا أميمة ناصب أي ذي نصب.
والرابع: أن تكون لَواقِحَ جمع ملقحة على حذف زوائده، فكأنه لقحة، فجمعها كما تجمع لاقحة، ومثله قول الشاعر [سيبويه] : [الطويل]
ليبك يزيد ضارع لخصومة ... وأشعث ممن طوحته الطوائح
وإنما طوحته المطاوح، وعلى هذا النحو فسرها أبو عبيدة في قوله: لَواقِحَ ملاقح، وكذلك العبارة عنها في كتاب البخاري: لواقح ملاقح ملقحة.
وقرأ الجمهور «الرياح» بالجمع، وقرأ الكوفيون- حمزة وطلحة بن مصرف والأعمش ويحيى بن وثاب- «الريح» بالإفراد، وهي للجنس، فهي في معنى الجمع، ومثلها الطبري بقولهم: «قميص أخلاق وأرض أغفال» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله من حيث هو أجزاء كثيرة تجمع صفته، فكذلك ريح لواقح لأنها متفرقة الهبوب، وكذلك: دار بلاقع، أي كل موضع منها بلقع.
وقال الأعمش: إن في قراءة عبد الله «وأرسلنا الرياح يلقحن» ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الريح من نفس الرحمن» ، ومعنى الإضافة هنا هي من إضافة خلق إلى خالق، كما قال: مِنْ رُوحِي [الحجر: ٢٩] ومعنى نفس الرحمن: أي من تنفيسه وإزالته الكرائب والشدائد. فمن التنفس بالريح النصر بالصبا وذرو الأرزاق بها، وما لها من الخدمة في الأرزاق وجلب الأمطار وغير ذلك مما يكثر عده. ولقد حدثت أن ابن أبي قحافة رحمه الله فسر هذا الحديث بنحو هذا وأنشد في تفسيره: [الطويل]
فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت ... على نفس محزون تجلت همومها
وهذا من جملة التنفيس والعرب تقول: أسقى وسقى بمعنى واحد، وقال لبيد: [الوافر]
سقى قومي بني مجد وأسقى ... نميرا، والقبائل من هلال
فجاء باللغتين، وقال أبو عبيدة: أما إذا كان من سقي الشفة خاصة فلا يقال إلا سقى، وأما إذا كان لسقي الأرض والثمار وجملة الأشياء فيقال: أسقى، وأما الداعي لأرض أو غيرها بالسقي، فإنما يقال فيه:
أسقى، ومنه قول ذي الرمة: [الطويل]
وقفت على رسم لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه ... تكلمني أحجاره وملاعبه
قال القاضي أبو محمد: على أن بيت لبيد دعاء، وفيه اللغتان.
وقوله تعالى: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ الآيات، هذه الآيات مع الآيات التي قبلها تضمنت العبرة والدلالة على قدرة الله تعالى وما يوجب توحيده وعبادته، فمعنى هذه: وإنا لنحن نحيي من نشاء بإخراجه