للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤته الحكمة» ، وقرأ الربيع بن خثيم «تؤتي الحكمة من تشاء» بالتاء في «تؤتي» و «تشاء» منقوطة من فوق، «ومن يؤت الحكمة» بالياء، وباقي الآية تذكرة بينة وإقامة لهمم الغفلة، والألباب العقول واحدها لب.

قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٧٠ الى ٢٧١]

وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٧١)

كانت النذر من سيرة العرب تكثر منها، فذكر تعالى النوعين ما يفعله المرء متبرعا وما يفعله بعد إلزامه لنفسه، ويقال: نذر الرجل كذا إذا التزم فعله «ينذر» بضم الذال «وينذر» بكسرها، وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ قال مجاهد: معناه يحصيه، وفي الآية وعد ووعيد، أي من كان خالص النية فهو مثاب ومن أنفق رئاء أو لمعنى آخر مما يكشفه المن والأذى ونحو ذلك فهو ظالم يذهب فعله باطلا ولا يجد ناصرا فيه، ووحد الضمير في يَعْلَمُهُ وقد ذكر شيئين من حيث أراد ما ذكر أو نص، وقوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ الآية، ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذه الآية هي في صدقة التطوع، قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا، قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ويقوي ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «صلاة الرجل في بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة، وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك، وقال سفيان الثوري هذه الآية في التطوع، وقال يزيد بن أبي حبيب: إنما أنزلت هذه الآية في الصدقة على اليهود والنصارى، وكان يأمر بقسم الزكاة في السر، وهذا مردود لا سيما عند السلف الصالح، فقد قال الطبري: أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل، قال المهدوي: وقيل المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به، فكان الإخفاء فيهما أفضل في مدة النبي عليه السلام، ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك فاستحسن العلماء إظهار الفرض لئلا يظن بأحد المنع، قال أبو محمد: وهذا القول مخالف للآثار، ويشبه في زمننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء، وقال النقاش: إن هذه الآية نسخها قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً [البقرة: ٢٧٤] ، وقوله: فَنِعِمَّا هِيَ ثناء على إبداء الصدقة، ثم حكم أن الإخفاء خير من ذلك الإبداء، واختلف القراء في قوله فَنِعِمَّا هِيَ، فقرأ نافع في غير رواية ورش، وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل «فنعمّا» بكسر النون وسكون «فنعمّا» بكسر النون والعين، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «فنعمّا» بفتح النون وكسر العين وكلهم شدد الميم، قال أبو علي من قرأ بسكون العين لم يستقم قوله، لأنه جمع بين ساكنين الأول منهما ليس بحرف مد ولين، وإنما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الأول حرف

<<  <  ج: ص:  >  >>