السماوات» ، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: كان الله ولم يكن شيء قبله. وكان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض.
وقد تقدم القول في كلام الناس في «الاستواء» ، واختصاره: أن أبا المعالي رجح أنه اسْتَوى بقهره وغلبته، وقال القاضي ابن الطيب وغيره: اسْتَوى - في هذا الموضع- بمعنى استولى، والاستيلاء قد يكون دون قهر. فهذا فرق ما بين القولين، وقال سفيان: فعل فعلا سماه استواء. وقال الفراء:
اسْتَوى - في هذا الموضع- كما تقول العرب: فعل زيد كذا ثم استوى إلي يكلمني، بمعنى أقبل وقصد. وحكي لي عن أبي الفضل بن النحوي أنه قال: الْعَرْشِ- في هذا الموضع- مصدر عرش، مكانه أراد جميع المخلوقات، وذكر أبو منصور عن الخليل: أن العرش: الملك، وهذا يؤيد منزع أبي الفضل بن النحوي إذ قال: العرش مصدر، وهذا خلاف ما مشى عليه الناس من أن العرش هو أعظم المخلوقات وهو الشخص الذي كان على الماء والذي بين يديه الكرسي وأيضا فينبغي النظر على أبي الفضل في معنى الاستواء قريبا مما هو على قول الجميع. وفي البخاري عن مجاهد أنه قال: المعنى: علا على العرش.
قال القاضي أبو محمد: وكذلك هي عبارة الطبري، والنظر الصحيح يدفع هذه العبارة.
وقوله: وَسَخَّرَ تنبيه على القدرة، والشَّمْسَ وَالْقَمَرَ في ضمن ذكرهما ذكر الكواكب- وكذلك قال: كُلٌّ يَجْرِي أي كل ما هو في معنى الشمس والقمر من التسخير، وكُلٌّ لفظة تقتضي الإضافة ظاهرة أو مقدرة، و «الأجل المسمى» هو انقضاء الدنيا وفساد هذه البنية، وقيل: يريد بقوله: لِأَجَلٍ مُسَمًّى الحدود التي لا تتحداها هذه المخلوقات أن تجري على رسوم معلومة.
وقوله: يُدَبِّرُ بمعنى: يبرم- وينفذ- وعبر بالتدبير تقريبا لأفهام الناس، إذ التدبير إنما هو النظر في أدبار الأمور وعواقبها، وذلك من صفة البشر، والْأَمْرَ عام في جميع الأمور وما ينقضي في كل أوان في السماوات والأرضين وقال مجاهد: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ معناه: يقضيه وحده.
وقرأ الجمهور:«يفصل» وقرأ الحسن بنون العظمة، ورواها الخفاف وعبد الوهاب عن أبي عمرو وهبيرة عن حفص، قال المهدوي: ولم يختلف في يُدَبِّرُ، وقال أبو عمرو الداني: إن الحسن قرأ «نفصل» و «ندبر» بالنون فيهما، والنظر يقتضي أن قوله: يُفَصِّلُ ليس على حد قوله: يُدَبِّرُ من تعديد الآيات بل لما تعددت الآيات وفي جملتها يدبر الأمر، أخبر أنه يفصلها لعل الكفرة يوقنون بالبعث، والْآياتِ هنا إشارة إلى ما ذكر في الآية وبعدها.