وفي قراءة أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود «إني أراني أعصر عنبا» .
قال القاضي أبو محمد: ويجوز أن يكون وصف الخمر بأنها معصورة، إذ العصر لها ومن أجلها.
وقوله خُبْزاً يروى أنه رأى ثريدا فوق رأسه، وفي مصحف ابن مسعود «فوق رأسي ثريدا تأكل الطير منه» .
وقوله إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قال الجمهور: يريدان في العلم، وقال الضحاك وقتادة: المعنى:
مِنَ الْمُحْسِنِينَ في جريه مع أهل السجن وإجماله معهم، وقيل: إنه أراد إخباره أنهما يريان له إحسانا عليهما ويدا إذا تأول لهما ما رأياه، ونحا إليه ابن إسحاق.
روي عن السدي وابن إسحاق: أن يوسف عليه السلام لما علم شدة تعبير منامه رأى الخبز وأنها تؤذن بقتله، ذهب إلى غير ذلك من الحديث، عسى ألا يطالباه بالتعبير، فقال لهما- معلما بعظيم علمه للتعبير-: إنه لا يجيئكما طعام في نومكما، تريان أنكما رزقتماه إلا أعلمتكما بتأويل ذلك الطعام، أي بما يؤول إليه أمره في اليقظة، قبل أن يظهر ذلك التأويل الذي أعلمكما به. فروي أنهما قالا: ومن أين لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم؟ فقال لهما: ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ثم نهض ينحي لهما على الكفر ويحسن لهما الإيمان بالله: فروي أنه قصد في ذلك وجهين: أحدهما: تنسيتهما أمر تعبير ما سألا عنه- إذ في ذلك النذارة بقتل أحدهما- والآخر: الطماعية في إيمانهما. ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان وتسلم له آخرته. وقال ابن جريج: أراد يوسف عليه السلام: لا يَأْتِيكُما طَعامٌ في اليقظة تُرْزَقانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُما منه بعلم وبما يؤول إليه أمركما قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلك المآل.
قال القاضي أبو محمد: فعلى هذا إنما أعلمهم بأنه يعلم مغيبات لا تعلق لها برؤيا. وقصد بذلك أحد الوجهين المتقدمين. وهذا على ما روي من أنه نبىء في السجن، فإخباره كإخبار عيسى عليه السلام، وقال ابن جريج: كانت عادة ذلك الملك إذا أراد قتل أحد ممن في سجنه بعث إليه طعاما يجعله علامة لقتله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله لا يقتضيه اللفظ ولا ينهض به إسناد.
وقوله: تَرَكْتُ مع أنه لم يتشبث بها، جائز صحيح، وذلك أنه عن تجنبه من أول بالترك،