للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما يَغْشى معناه من قدرة الله، وأنواع الصفات التي يخترعها لها، وذلك منهم على جهة التفخيم والتعظيم، وقال مجاهد تبدل أغصانها درا وياقوتا ونحوه. وقال ابن مسعود ومسروق ومجاهد: ذلك جراد من ذهب كان يغشاها. وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتها ثم حال دونها فراش الذهب» . وقال الربيع وأبو هريرة: كان تغشاها الملائكة كما تغشى الطير الشجر، وقيل غير هذا مما هو تكلف في الآية، لأن الله تعالى أبهم ذلك وهم يريدون شرحه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟» وقوله تعالى: ما زاغَ الْبَصَرُ قال ابن عباس معناه: ما جال هكذا ولا هكذا. وقوله: وَما طَغى معناه: ولا تجاوز المرئي، بل وقع عليه وقوعا صحيحا، وهذا تحقيق للأمر ونفي لوجود الريب عنه.

وقوله تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى قال جماعة من أهل التأويل معناه: رأى الكبرى من آيات ربه، والمعنى مِنْ آياتِ رَبِّهِ التي يمكن أن يراها البشر، ف الْكُبْرى على هذا مفعول ب رَأى. وقال آخرون المعنى: لَقَدْ رَأى بعضا مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى، ف الْكُبْرى على هذا وصف للآيات، والجمع مما لا يعقل في المؤنث يوصف أبدا على حد وصف الواحدة. وقال ابن عباس وابن مسعود: رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق. وقال ابن زيد: رأى جبريل في صورته التي هو بها في السماوات.

قوله عز وجل:

[سورة النجم (٥٣) : الآيات ١٩ الى ٢٦]

أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣)

أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦)

قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ مخاطبة لقريش، وهي من رؤية العين، لأنه أحال على أجرام مرئية، ولو كانت: أرأيت: التي هي استفتاء لم تتعد. ولما فرغ من ذكر عظمة الله وقدرته، قال على جهة التوقيف:

أرأيتم هذه الأوثان وحقارتها وبعدها عن هذه القدرة والصفات العلية و: اللَّاتَ اسم صنم كانت العرب تعظمه، قال أبو عبيدة وغيره: كان في الكعبة، وقال قتادة: كان بالطائف. وقال ابن زيد: كان بنخلة عند سوق عكاظ، وقول قتادة أرجح يؤيده قول الشاعر: [المتقارب]

وفرّت ثقيف إلى لاتها ... بمنقلب الخائب الخاسر

والتاء في: اللَّاتَ لام فعل كالباء من باب، وقال قوم هي تاء تأنيث، والتصريف يأبى ذلك، وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح: «اللاتّ» بشد التاء، وقالوا: كان هذا الصنم حجرا وكان عنده رجل من بهز يلت سويق الحاج على ذلك الحجر ويخدم الأصنام، فلما مات عبدوا الحجر الذي كان عنده إجلالا لذلك الرجل وسموه باسمه، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير وابن عامر، وَالْعُزَّى: صخرة بيضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>