هذا مثل لقريش بقوم أنعم الله عليهم وأرسل إليهم الرسل فكفروا وعصوا، فانتقم الله منهم، أي فأنتم أيها القوم مثلهم و «سبأ» هنا أراد به القبيل، واختلف لم سمي القبيل بذلك، فقالت فرقة هو اسم لامرأة كانت أمّا للقبيل، وقال الحسن بن أبي الحسن في كتاب الرماني هو اسم موضع فسمي القبيل به وقال الجمهور هو اسم رجل هو أبو القبيل كله قيل هو ابن يشجب بن يعرب، وروي في هذا القول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله فروة بن مسيك عن «سبأ» فقال: هو اسم رجل منه تناسلت قبائل اليمن.
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وشيبة والأعرج «لسبإ» بهمزة منونة مكسورة على معنى الحي، وقرأ أبو عمرو والحسن «لسبأ» بهمزة مفتوحة غير مصروف على معنى القبيلة، وقرأ جمهور القراء «في مساكنهم» لأن كل أحد له مسكن، وقرأ الكسائي وحده «في مسكنهم» بكسر الكاف أي في موضع سكناهم وهي قراءة الأعمش وعلقمة، قال أبو علي والفتح حسن أيضا لكن هذا كما قالوا مسجد وإن كان سيبويه يرى هذا اسم البيت وليس موضع السجود. قال هي لغة الناس اليوم، والفتح هي لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقرأ حمزة وحفص «مسكنهم» بفتح الكاف على المصدر وهو اسم جنس يراد به الجمع، وهي قراءة إبراهيم النخعي وهذا الإفراد هو كما قال الشاعر:[الوافر] كلوا في بعض بطنكم تعفوا وكما قال الآخر: [البسيط] قد عض أعناقهم جلد الجواميس وآيَةٌ معناها عبرة وعلامة على فضل الله وقدرته، وجَنَّتانِ ابتداء وخبره في قوله عن يَمِينٍ وَشِمالٍ أو خبر ابتداء تقديره هي جنتان، وهي جملة بمعنى هذه حالهم والبدل من آيَةٌ ضعيف، وقد قاله مكي وغيره، وقرأ ابن أبي عبلة «آية جنتين» بالنصب، وروي أنه كان في ناحية اليمن واد عظيم بين جبلين وكانت جنتا الوادي منبت فواكه وزروع وكان قد بني في رأس الوادي عند أول الجبلين جسر عظيم من حجارة من الجبل إلى الجبل فارتدع الماء فيه وصار بحيرة عظيمة، وأخذ الماء من جنبتيها فمشى مرتفعا يسقي جنات جنتي الوادي، قيل بنته بلقيس، وقيل بناه حمير أبو القبائل اليمينة كلها، وكانوا بهذه الحال في أرغد نعم، وكانت لهم بعد ذلك قرى ظاهرة متصلة من اليمن إلى الشام، وكانوا أرباب تلك البلاد في ذلك الزمان، وقوله كُلُوا فيه حذف كأنه قال قيل لهم كلوا، وطَيِّبَةٌ معناه كريمة التربة حسنة الهواء رغدة