من هذه المدينة فقال الناس هذا مجنون، اذهبوا به إلى الملك، ففزع عند ذلك فذهب به حتى جيء به الملك، فلما لم يردقيوس الكافر تأنس، وكان ذلك الملك مؤمنا فاضلا يسمى ببدوسيس فقال له الملك أين وجدت هذا الكنز؟ فقال له إنما خرجت أنا وأصحابي أمس من هذه المدينة فأوينا إلى الكهف الذي في جبل الجلوس، فلما سمع الملك ذلك قال في بعض ما روي، لعل الله قد بعث لكم أيها الناس آية فلنسر إلى الكهف معه حتى نرى أصحابه، فسار وروي أنه أو بعض جلسائه قال: هؤلاء هم الفتية الذين أرخ أمرهم على عهد دقيوس الملك، وكتب على لوح النحاس بباب المدينة، فسار الملك إليهم، وسار الناس معه، فلما انتهوا إلى الكهف قال تمليخا: أدخل عليهم لئلا يرعبوا، فدخل عليهم، فأعلمهم بالأمر، وأن الأمة أمة إسلام، فروي أنهم سرّوا وخرجوا إلى الملك، وعظموه وعظمهم، ثم رجعوا إلى كهفهم، وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حيث حدثهم تمليخا، فانتظرهم الناس فلما أبطأ خروجهم، دخل الناس إليهم فرعب كل من دخل، ثم أقدموا فوجدوهم موتى، فتنازعوا بحسب ما يأتي في تفسير الآية التي بعد هذه، وفي هذا القصص من اختلاف الروايات والألفاظ ما تضيق به الصحف، فاختصرته، وذكرت المهم الذي به تتفسر ألفاظ هذه الآية، واعتمدت الأصح، والله المعين برحمته، وفي هذه البعثة بالورق الوكالة وصحتها، وقد وكل علي بن أبي طالب أخاه عقيلا عند عثمان رضي الله عنهم، وقرأ الجمهور «فلينظر» بسكون لام الأمر، وقرأ الحسن «فلينظر» بكسرها، وأَزْكى معناه أكثر فيما ذكر عكرمة، وقال قتادة معناه خير، وقال مقاتل:
المراد أطيب، وقال ابن جبير: المراد أحل.
قال القاضي أبو محمد: وهو من جهة ذبائح الكفرة وغير ذلك فروي أنه أراد شراء زبيب، وقيل بل شراء تمر، وقوله وَلْيَتَلَطَّفْ أي في اختفائه وتحيله، وقرأ الحسن «وليتلطف» بكسر اللام، والضمير في إِنَّهُمْ عائد على الكفار، آل دقيوس، ويَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ معناه يثقفوكم بعلوهم وغلبتهم، وقولهم يَرْجُمُوكُمْ قال الزجاج معناه بالحجارة.
قال القاضي أبو محمد: وهو الأصح، لأنه كان عازما على قتلهم لو ظفر بهم، و «الرجم» فيما سلف هي كانت على ما ذكر قتلة مخالف دين الناس، إذ هي أشفى لحملة ذلك الدين، ولهم فيها مشاركة، وقال حجاج، يَرْجُمُوكُمْ معناه بالقول، وباقي الآية بين.
الإشارة بذلك في قوله وَكَذلِكَ إلى بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا [الكهف: ١٩] أي كما بعثناهم أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ، و «أعثر» تعدية عثر بالهمزة، وأصل العثار في القدم، فلما كان العاثر في الشيء منتبها له شبه به من تنبه لعلم شيء عن له وثار بعد خفائه، والضمير في قوله لِيَعْلَمُوا يحتمل أن يعود على الأمة