وقالت هذه الفرقة وهي الجمهور إن المؤمن إذا بغى على مؤمن وظلمه، فلا يجوز للآخر أن ينتصف منه بنفسه ويجازيه على ظلمه، مثال ذلك: أن يخون الإنسان آخر ثم يتمكن الإنسان من خيانته، فمذهب مالك رحمه الله أن لا يفعل، وهو مذهب جماعة عظيمة معه، ولم يروا هذه الآية من هذا المعنى، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» . وهذا القول أنزه وأقرب إلى الله تعالى. وقالت طائفة من أهل العلم: هذه الآية عامة في المشركين والمؤمنين، ومن بغي عليه وظلم فجائز له أن ينتصف لنفسه ويخون من خانه في المال حتى ينتصر منه، وقالوا إن الحديث:«ولا تخن من خانك» ، إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يزني بحرمة من زنا بحرمته؟ فقال له النبي عليه السلام: ذلك يريد به الزنا، وكذلك ورد الحديث في معنى الزنا، ذكر ذلك الرواة، أما أن عمومه ينسحب في كل شيء.
وقوله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ قال الزجاج: سمى العقوبة باسم الذنب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا إذا أخذنا السيئة في حق الله تعالى بمعنى المعصية، وذلك أن المجازاة من الله تعالى ليست سيئة إلا بأن سميت باسم موجبتها، وأما إن أخذنا السيئة بمعنى المعصية في حق البشر، أي يسوء هذا هذا ويسوء الآخر، فلسنا نحتاج إلى أن نقول سمى العقوبة باسم الذنب، بل الفعل الأول والآخر سَيِّئَةٍ وقال ابن أبي نجيح والسدي معنى الآية: أن الرجل إذا شتم بشتمة فله أن يردها بعينها دون أن يتعدى. قال الحسن بن أبي الحسن: ما لم يكن حدا أو عوراء جدا واللام في قوله: لَمَنِ انْتَصَرَ لام التقاء القسم.
وقوله: مِنْ سَبِيلٍ يريد مِنْ سَبِيلٍ حرج ولا سبيل حكم، وهذا إبلاغ في إباحة الانتصار، والخلاف فيه هل هو بين المؤمن والمشرك، أو بين المؤمنين على ما تقدم.
المعنى إنما سبيل الحكم والإثم عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، أي الذين يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد وباللسان. والبغي بغير الحق وهو نوع من أنواع الظلم، خصه بالذكر تنبيها على شدته وسوء حال صاحبه، ثم توعدهم تعالى بالعذاب الأليم في الآخرة.