نظر إلا بأن ينفق على نفسه من ربح نظره وإلا دعته الضرورة إلى ترك مال اليتيم دون نظر فالأحسن أن ينظر ويأكل بالمعروف، قاله ابن زيد، و «الأشد» جمع شد وجمع شدة، وهو هنا الحزم والنظر في الأمور وحسن التصرف فيها.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وليس هذا بالأشد المقرون ببلوغ الأربعين، بل هذا يكون مع صغر السن في ناس كثير وتلك الأشد هي التجارب والعقل المحنك، ولكن قد خلطهما المفسرون، وقال ربيعة والشعبي ومالك فيما روي عنه وأبو حنيفة، «بلوغ الأشد» البلوغ مع أن لا يثبت سفه، وقال السدي:
«الأشد» ثلاثون سنة، وقالت فرقة ثلاثة وثلاثون سنة، وحكى الزجاج عن فرقة ثمانية عشرة سنة، وضعّفه ورجح البلوغ مع الرشد وحكى النقاش أن «الأشد» هنا من خمسة عشر إلى ثلاثين، والفقه ما رجح الزجّاج، وهو قول مالك رحمه الله الرشد وزوال السفه مع البلوغ.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا أصح الأقوال وأليقها بهذا الموضع، وقوله تعالى:
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ
الآية أمر بالاعتدال في الأخذ والإعطاء، و «القسط» العدل، وقوله لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
يقتضي أن هذه الأوامر إنما هي فيما يقع تحت قدرة البشر من التحفظ والتحرز لا أنه مطالب بغاية العدل في نفس الشيء المتصرف فيه، قال الطبري: لما كان الذي يعطي ناقصا يتكلف في ذلك مشقة والذي يعطي زائدا يتكلف أيضا مثل ذلك، رفع الله عز وجل الأمر بالمعادلة حتى يتكلف واحد منهما مشقة، وقوله وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
يتضمن الشهادات والأحكام والتوسط بين الناس وغير ذلك، أي ولو كان ميل الحق على قراباتكم، وقوله: وَبِعَهْدِ اللَّهِ
يحتمل أن يراد جميع ما عهده الله إلى عباده، ويحتمل أن يراد به جميع ذلك مع جميع ما انعقد بين إنسانين وأضاف ذلك العهد إلى الله من حيث قد أمر بحفظه والوفاء به، وقوله لَعَلَّكُمْ
ترجّ بحسبنا وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «تذكّرون» بتشديد الذال والكاف جميعا وكذلك «يذّكّرون» و «يذكّر الإنسان» وما جرى من ذلك مشددا كله، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر كل ذلك بالتشديد إلا قوله أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ [مريم: ٦٧] فإنهم خففوها، وروى أبان وحفص عن عاصم «تذكرون» خفيفة الذال في كل القرآن.
وقرأ حمزة والكسائي «تذكرون» بتخفيف الذال إذا كان الفعل بالتاء، وإذا كان بالياء قرأه بالتشديد، وقرأ حمزة وحده في سورة الفرقان لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ [الآية: ٦٢] بسكون الذال وتخفيف الكاف، وقرأ ذلك الكسائي بتشديدهما وفتحهما.
قوله عز وجل:
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٣]]
وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٥٣)
الإشارة هي إلى الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بجملته، وقال الطبري: الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدمت من قوله قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ [الأنعام: ١٥١] قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو