للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله تعالى يجيب كل الدعاء: فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ: «ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث» ، الحديث، وهذا إذا كان الدعاء على ما يجب دون اعتداء، فإن الاعتداء في الدعاء ممنوع، قال الله تعالى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: ٥٥] قال المفسرون: أي في الدعاء.

والوصف بمجاب الدعوة: وصف بحسن النظر والبعد عن الاعتداء، والتوفيق من الله تعالى إلى الدعاء في مقدور. وانظر أن أفضل البشر المصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم قد دعا أن لا يجعل بأس أمته بينهم، الحديث، فمنعها، إذ كان القدر قد سبق بغير ذلك.

وقوله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي قال أبو رجاء الخراساني: «معناه فليدعوا لي» .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم، وهذا هو باب استفعل، أي طلب الشيء، إلا ما شذ، مثل. استغنى الله، وقال مجاهد وغيره: المعنى فليجيبوا لي فيما دعوتهم إليه من الإيمان، أي بالطاعة والعمل، ويقال: أجاب واستجاب بمعنى، ومنه قول الشاعر:

[الطويل]

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي لم يجبه، وقوله تعالى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي، قال أبو رجاء: في أني أجيب دعاءهم، وقال غيره: بل ذلك دعاء إلى الإيمان بجملته. وقرأ الجمهور يَرْشُدُونَ بفتح الياء وضم الشين. وقرأ قوم بضم الياء وفتح الشين. وروي عن ابن أبي عبلة وأبي حيوة فتح الياء وكسر الشين باختلاف عنهما قرآ هذه القراءة والتي قبلها.

قوله عز وجل:

[[سورة البقرة (٢) : آية ١٨٧]]

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧)

لفظة أُحِلَّ تقتضي أنه كان محرما قبل ذلك، ولَيْلَةَ نصب على الظرف، وهي اسم جنس فلذلك أفردت، ونحوه قول عامر الرامي الحضرمي المحاربي: [الوافر]

هم المولى وقد جنفوا علينا ... وإنّا من عداوتهم لزور

والرَّفَثُ كناية عن الجماع، لأن الله تعالى كريم يكني، قاله ابن عباس والسدي، وقرأ ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>