للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٢ الى ٣٥]

ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤) الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)

التقدير في هذا الموضع الأمر ذلك، و «الشعائر» جمع شعيرة وهي كل شيء لله تعالى، فيه أمر أشعر به وأعلم، قالت فرقة: قصد ب «الشعائر» في هذه الآية الهدي والأنعام المشعرة، ومعنى تعظيمها تسميتها والاهتبال بأمرها والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة، وعود الضمير في «إنها» على التعظمة والفعلة التي يتضمنها الكلام، وقرأ «القلوب» بالرفع على أنها فاعلة بالمصدر الذي هو تَقْوَى، ثم اختلف المتألون في قوله لَكُمْ فِيها مَنافِعُ الآية، فقال مجاهد وقتادة: أراد أن للناس في أنعامهم منافع من الصوف واللبن وغير ذلك ما لم يبعثها ربها هديا فإذا بعثها فهو «الأجل المسمى» ، وقال عطاء بن أبي رباح: أراد في الهدي المبعوث منافع من الركوب والاحتلاب لمن اضطر، و «الأجل» نحرها وتكون ثُمَّ لترتيب الجمل، لأن المحل قبل الأجل ومعنى الكلام عند هاتين الفرقتين ثُمَّ مَحِلُّها إلى موضع النحر فذكر الْبَيْتِ لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره، وقال ابن زيد وابن عمر والحسن ومالك:

«الشعائر» في هذه الآية مواضع الحج كلها ومعالمه بمنى وعرفة والمزدلفة والصفا والمروة والبيت وغير ذلك، وفي الآية التي تأتي أن البدن من الشعائر، و «المنافع» التجارة وطلب الرزق، ويحتمل أن يريد كسب الأجر والمغفرة، وبكل احتمال قالت فرقة و «الأجل» الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة وقوله، مَحِلُّها مأخوذ من إحلال المحرم ومعناه ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة ب الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، ف الْبَيْتِ على هذا التأويل مراد بنفسه، قاله مالك في الموطأ، ثم أخبر تعالى أنه جعل لكل أمة من الأمم المؤمنة مَنْسَكاً أي موضع نسك وعبادة وهذا على أن المنسك ظرف كالمذبح ونحوه، ويحتمل أن يريد به المصدر، كأنه قال عبادة ونحو هذا، والناسك العابد، وقال مجاهد: سنة في هراقة دماء الذبائح، وقرأ معظم القراء «منسكا» بفتح السين وهو من نسك ينسك بضم السين في المستقبل، وقرأ حمزة والكسائي «منسكا» بكسر السين قال أبو علي: الفتح أولى لأنه إما المصدر وإما المكان وكلاهما مفتوح والكسر في هذا من الشاذ في اسم المكان أن يكون مفعل من فعل يفعل مثل مسجد من سجد يسجد، ولا يسوغ فيه القياس، ويشبه أن الكسائي سمعه من العرب. وقوله لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ معناه أمرناهم عند ذبائحهم بذكر الله وأن يكون الذبح له لأنه رازق ذلك، ثم رجع اللفظ من الخبر عن الأمم إلى إخبار الحاضرين بما معناه فالإله واحد لجميعكم بالأمر كذلك في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له، وأَسْلِمُوا معناه لحقه ولوجهه ولإنعامه آمنوا وأسلموا، ويحتمل أن يريد الاستسلام ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر بشارة على الإطلاق وهي أبلغ من المفسرة لأنها مرسلة مع نهاية التخيل،

<<  <  ج: ص:  >  >>