الإشارة بقوله تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ إلى التوحيد والمعاد، فهي إلى القرآن وجميع ما تضمن، وعظمه أن التصديق به نجاة، والتكذيب به هلكة. وحكى الطبري: أن شريحا اختصم إليه أعرابي فشهد عليه، فأراد شريح أن ينفذ الحكم، فقال له الأعرابي: أتحكم بالنبإ؟ فقال شريح: نعم، إن الله يقول:
قُلْ هُوَ نَبَأٌ، وقرأ الآية وحكم عليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الجواب من شريح إنما هو بحسب لفظ الأعرابي ولم يحرر معه الكلام، وإنما قصد إلى ما يقطعه به، لأن الأعرابي لم يفرق بين الشهادة والنبأ.
والنبأ في كلام العرب بمعنى: الخبر، ووبخهم بقوله: أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ، ثم قال: ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ وهذا احتجاج لصحة أمر محمد صلى الله عليه وسلم كأنه يقول: هذا أمر خطر وأنتم تعرضون عنه مع صحته، ودليل صحته أني أخبركم فيه بغيوب لم تأت إلا من عند الله، فإني لم يكن لي علم بالملأ الأعلى، أراد به الملائكة. والضمير في: يَخْتَصِمُونَ عند جمهور المفسرين هو للملائكة.
واختلف الناس في الشيء الذي هو اختصامهم فيه، فقالت: فرقة اختصامهم في أمر آدم وذريته في جعلهم في الأرض، ويدل على ذلك ما يأتي من الآيات، فقول الملائكة: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: ٣٠] هو الاختصام. وقالت فرقة: بل اختصامهم في الكفارات وغفر الذنوب ونحوه، فإن العبد إذا فعل حسنة اختلف الملائكة في قدر ثوابه في ذلك حتى يقضي الله بما شاء، وورد في هذا حديث فسره ابن فورك، لأنه يتضمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ربه عز وجل في نومه: فيم يختصمون؟ فقلت لا أدري، فقال في الكفارات، وهي إسباغ الوضوء في السبرات ونقل الخطى إلى الجماعات الحديث بطوله قال: فوضع الله يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي.
قال القاضي أبو محمد: فتفسير هذا الحديث أن اليد هي نعمة العلم.
وقوله: بردها، أي السرور بها والثلج، كما تقول العرب في الأمر السار: يا برده على الكبد ونحو هذا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الصلاة بالليل هي الغنيمة الباردة» . أي السهلة التي يسر بها الإنسان. وقالت فرقة: المراد بقوله: بِالْمَلَإِ الْأَعْلى الملائكة.