للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل:

[سورة النازعات (٧٩) : الآيات ٣٧ الى ٤٦]

فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١)

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦)

طَغى معناه: تجاوز الحدود التي ينبغي للإنسان أن يقف عندها بأن كفر وآثر الحياة الدنيا على الآخرة لتكذيبه بالآخرة. والْمَأْوى والمسكن حيث يأوي المرء ويلازم، ومَقامَ رَبِّهِ هو القيامة، وإنما المراد مقامه بين يدي ربه، فأضاف المقام إلى الله عز وجل من حيث بين يديه وفي ذلك تفخيم للمقام وتعظيم لهوله وموقعه من النفوس، قال ابن عباس: المعنى خافه عند المعصية فانتهى عنها، والْهَوى:

هو شهوات النفس وما جرى مجراها، وأكثر استعماله إنما هو في غير المحمود، قال سهل التستري: لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء وبعض الصديقين، وقال بعض الحكماء: إذا أردت الصواب فانظر هواك فخالفه، وقال الفضيل: أفضل الأعمال خلاف الهوى، وقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ الآية نزلت بسبب أن قريشا كانت تلح في البعث عن وقت الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها ويتوعدهم بها ويكثر من ذلك، و: أَيَّانَ مُرْساها معناه: متى ثبوتها ووقت رسوها أي ثبوتها كأنه يسر إلى غاية ما ثم يقف كما تفعل السفينة التي ترسو. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: «إيان» بكسر الألف. ثم قال لنبيه عليه السلام على جهة التوقيف فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها أي من ذكر تحديدها ووقتها أي لست من ذلك في شيء إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة كثيرا، فلما نزلت هذه الآية انتهى. وقرأ أبو جعفر وعمر بن عبد العزيز وأبو عمرو بخلاف، وابن محيصن والأعرج وطلحة وعيسى: «منذر» بتنوين الراء، وقرأ جمهور القراء: «منذر» بإضافة «منذر» إلى مَنْ، ثم قرب تعالى أمر الساعة بإخباره أن الإنسان عند رؤيته إياها لم يلبث إلا عشية يوم أو بكرته، فأضاف الضحى إلى العشية من حيث هما طرفان للنهار، وقد بدأ بذكر أحدهما فأضاف الآخر إليه تجوزا وإيجازا.

نجز تفسير النَّازِعاتِ والحمد لله كثيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>